الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      الذين يلمزون مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين، وقيل : أي منهم الذين ، وقيل : مبتدأ خبره ( فيسخرون ) مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين، وقيل : أي: منهم الذين ، وقيل : مبتدأ خبره ( فيسخرون ) والفاء لما في الموصول من شبه الشرط أو سخر الله منهم أو منصوب بفعل محذوف أعني –أعني- أو أذم أو مجرور على البدلية من ضمير ( سرهم ) على أنه للمنافقين مطلقا ، وقرئ بضم الميم وهو لغة كما علمت أي يعيبون ( المطوعين ) أي : المتطوعين ، والمراد بهم من يعطي تطوعا من المؤمنين حال من الضمير ، وقوله سبحانه : في الصدقات متعلق بيلمزون ، ولا يجوز كما قال أبو البقاء تعلقه بالمطوعين للفصل ، أخرج البغوي في معجمه ، وأبو الشيخ عن الحسن قال: " قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مقاما للناس فقال : يا أيها الناس تصدقوا أشهد لكم بها يوم القيامة، ألا لعل أحدكم أن يبيت فصاله رواء وابن له طاو إلى جنبه ألا لعل أحدكم أن يثمر ماله وجاره مسكين لا يقدر على شيء ألا رجل منح ناقة من إبله يغدو برفد ويروح برفد يغدو بصبوح أهل بيته ويروح بغبوقهم ألا إن أجرها لعظيم فقام رجل فقال : يا رسول الله عندي أبعرة، عندي أربعة ذود فقام آخر قصير القامة قبيح الشبه يقود ناقة له حسناء جملاء فقال له رجل من المنافقين كلمة خفية لا يرى أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم سمعها ناقته خير منه، فسمعها عليه الصلاة والسلام فقال : كذبت هو خير منك ومنها ، ثم قام عبد الرحمن بن عوف فقال : يا رسول الله عندي ثمانية آلاف تركت منها أربعة لعيالي وجئت بأربعة أقدمها إلى الله تعالى، فتكاثر المنافقون ما جاء به ثم قام عاصم بن عدي الأنصاري فقال : يا رسول الله عندي سبعون وسقا من تمر فتكاثر المنافقون ما جاء به وقالوا : جاء هذا بأربعة آلاف وجاء هذا بسبعين وسقا للرياء والسمعة، فهلا أخفياها فهلا فرقاها ، ثم قام رجل من الأنصار اسمه الحبحاب يكنى أبا عقيل فقال : يا رسول الله ما لي من مال غير أني آجرت نفسي البارحة من بني فلان أجر الجرير في عنقي على صاعين من تمر، فتركت صاعا لعيالي، وجئت بصاع أقربه إلى الله تعالى فلمزه المنافقون وقالوا : جاء أهل الإبل بالإبل، وجاء أهل الفضة بالفضة، وجاء هذا بتميرات يحملها، فأنزل الله تعالى الآية ، ولم يبين الآلاف التي ذكرها عبد الرحمن في هذه الرواية، وكانت على ما أخرجه ابن المنذر عن [ ص: 147 ] مجاهد دنانير وفي رواية أنها دراهم ، وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس أن عبد الرحمن جاء بأربعمائة أوقية من ذهب، وهي نصف ما كان عنده، وأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : اللهم بارك له فيما أعطى وبارك له فيما أمسك ، وجاء في رواية الطبراني أن الله بارك له حتى صولحت إحدى امرأتيه عن نصف الثمن على ثمانين ألف درهم ، وفي الكشاف وعزاه الطيبي للاستيعاب أن زوجته تماضر صولحت عن ربع الثمن على ثمانين ألفا ، فعلى الأول يكون له زوجتان وعلى الثاني يكون له أربع زوجات ، ويختلف مجموع المالين على الروايتين اختلافا كثيرا ، وفي رواية ابن أبي حاتم عن ابن زيد أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان أحد المطوعين، وأنه جاء بمال كثير يحمله فقال له رجل من المنافقين : أترائي يا عمر؟ فقال : نعم أرائي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فأما غيرهما فلا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله سبحانه : والذين لا يجدون إلا جهدهم عطف على ( المطوعين ) وهو من عطف الخاص على العام ، وقيل : عطف على المؤمنين ، وتعقبه الأجهوري بأن فيه إيهام أن المعطوف ليس من المؤمنين .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو البقاء : هو عطف على ( الذين يلمزون ) وأراه خطأ صرفا ، والجهد بالضم الطاقة أي ويلمزون الذين لا يجدون إلا طاقتهم وما تبلغه قوتهم وهم الفقراء كأبي عقيل واسمه ما مر آنفا ، وعن ابن إسحاق أن اسمه سهل بن رافع ، وعن مجاهد أنه فسر الموصول برفاعة بن سعد ، ولعل الجمع حينئذ للتعظيم ، ويحتمل أن يكون على ظاهره والمذكور سبب النزول ، وقرأ ابن هرمز ( جهدهم ) بالفتح وهو إحدى لغتين في الجهد، فمعنى المضموم والمفتوح واحد ، وقيل : المفتوح بمعنى المشقة والمضموم بمعنى الطاقة قاله القتبي ، وقيل : المضمون شيء قليل يعاش به والمفتوح العمل ، وقوله تعالى : فيسخرون منهم عطف على ( يلمزون ) أو خبر على ما علمت أي يستهزئون بهم ، والمراد بهم على ما قيل الفريق الأخير سخر الله منهم أي جازاهم على سخريتهم ، فالجملة خبرية والتعبير بذلك للمشاكلة وليست إنشائية للدعاء عليهم لأن يصيروا ضحكة لأن قوله تعالى جده : ولهم عذاب أليم جملة خبرية معطوفة عليها فلو كانت دعاء لزم عطف الإخبارية على الإنشائية وفي ذلك كلام ، وإنما اختلفتا فعلية واسمية لأن السخرية في الدنيا وهي متجددة والعذاب في الآخرة وهو دائم ثابت ، والتنوين في العذاب للتهويل والتفخيم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية