الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        مجرد ملك اليمين ، لا يثبت شيئا من هذه المحرمات ، لكن الوطء فيه يثبتها ، حتى تحرم الموطوءة على ابن الواطئ وأبيه ، وتحرم عليه أم الموطوءة وبنتها . والوطء بشبهة النكاح الفاسد ، والشراء الفاسد ، ووطء الجارية المشتركة ، وجارية الابن ، يثبت حرمة المصاهرة ، كما يثبت النسب ، ويوجب العدة . وحكي قول : أن وطء الشبهة لا يثبت حرمة المصاهرة ، كالزنا . والمشهور الذي قطع به الجمهور الأول ، وذلك فيما إذا شملت الشبهة الواطئ ( أو ) الموطوءة . فإن اختصت الشبهة بأحدهما ، والآخر زان ، بأن وطئها يظنها زوجته وهي عالمة ، أو يعلم وهي جاهلة أو نائمة أو مكرهة ، أو مكنت البالغة العاقلة مجنونا أو مراهقا عالمة ، فوجهان . أصحهما : الاعتبار بالرجل ، فتثبت المصاهرة إذا اشتبه عليه ، كما يثبت النسب والعدة ، ولا يثبت إذا لم يشتبه عليه ، كما لا يثبت النسب والعدة . والثاني : تثبت المصاهرة في أيهما كانت الشبهة ، وعلى هذا وجهان . أحدهما : يختص بمن اختصت الشبهة به . فإن كان الاشتباه عليه ، حرم عليه أمها وبنتها ، ولا تحرم على أبيه وابنه . وإن كان الاشتباه عليها ، حرمت على ابنه وأبيه ، ولا تحرم عليه أمها وبنتها . والثاني : أنها تعم الطرفين كالنسب .

                                                                                                                                                                        [ ص: 113 ] فرع

                                                                                                                                                                        الوطء في النكاح وملك اليمين ، كما يوجب الحرمة ، يوجب المحرمية ، فيجوز للواطئ الخلوة والمسافرة بأم الموطوءة وبنتها ، والنظر إليها ، ولابنه الخلوة والمسافرة بالموطوءة والنظر . وفي وطء الشبهة وجهان . ويقال : قولان . أصحهما عند الإمام كذلك ، لأن الشبهة تثبت النسب والعدة ، فكذا المحرمية . وأصحهما عند الجمهور : المنع ، وحكوه عن نصه في " الإملاء " .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الزنا لا يثبت المصاهرة ، فللزاني نكاح أم المزني بها وبنتها ، ولأبيه وابنه نكاحها . ولو لاط بغلام ، لم يحرم على الفاعل أم الغلام وبنته . ولو ملك جارية محرمة عليه برضاع أو مصاهرة ، فوطئها ، فإن لم نوجب به الحد ، ثبتت المصاهرة . وإن أوجبناه ، فلا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        المفاخذة ، والقبلة ، والمس ، هل هي كالوطء فتثبت المصاهرة وتحرم الربيبة في النكاح ؟ فيه قولان . أظهرهما عند البغوي والروياني : نعم . وأظهرهما عند ابن أبي هريرة وابن القطان والإمام وغيرهم : لا . والقولان فيما إذا جرى ذلك بشهوة . فأما المس بغير شهوة ، فلا أثر له على المذهب ، وبه قطع الجمهور . قال الإمام : [ ص: 114 ] ومنهم من أطلق القولين في الملامسة . وأما النظر بشهوة ، فلا يثبت المصاهرة على المذهب ، وبه قطع الجمهور . وقيل : قولان . وقيل : إن نظر إلى الفرج ، فقولان ، وإلا ، فلا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا استدخلت ماء زوجها أو أجنبي بشبهة ، ثبتت المصاهرة والنسب والعدة ، دون الإحصان والتحليل . وفي تقدير المهر ووجوبه للمفوضة وثبوت الرجعة والغسل والمهر في صورة الشبهة وجهان . أصحهما : المنع . ولو أنزل أجنبي بزنا ، لم يثبت باستدخاله المصاهرة ولا النسب . وإن أنزل الزوج بالزنا ، حكى البغوي أنه لا يثبت النسب ولا المصاهرة ولا العدة . وقال من عند نفسه : وجب أن تثبت هذه الأحكام كما لو وطئ زوجته يظن أنه يزني .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ما أثبت التحريم المؤبد إذا طرأ على النكاح ، قطعه . فلو نكح امرأة ، فوطئها أبوه أو ابنه بشبهة ، أو وطئ هو أمها أو بنتها بشبهة ، انفسخ نكاحها .

                                                                                                                                                                        وفي المولدات لابن الحداد فرعان يتعلقان بهذا الأصل .

                                                                                                                                                                        أحدهما : نكح امرأة ونكح ابنه ابنتها ، ووطئ كل واحد منهما زوجة الآخر غالطا ، انفسخ النكاحان . وهذا تفريع على المشهور أن وطء الشبهة كالوطء في ملك ، ويجب على كل واحد منهما مهر المثل للتي وطئها بالشبهة . ثم إن سبق وطء الأب ، فعليه لزوجته نصف المسمى ، لأنه الذي رفع نكاحها ، فهو كما لو طلقها قبل الدخول . وهل يجب على [ ص: 115 ] الابن لزوجته نصف المسمى ؟ فيه أوجه . قال ابن الحداد : لا ، إذ لا صنع له . وقال آخرون : نعم ، إذ لا صنع لها . وقال الشيخ أبو علي : إن كانت زوجة الابن نائمة ، أو صغيرة لا تعقل ، أو مكرهة ، وجب . وإن كانت عاقلة طاوعت الأب تظنه زوجها ، فلا شيء لها . فإن أوجبنا ، رجع الابن على أبيه ، لأنه فوت نكاحه . وهل يرجع بمهر المثل ، أم بنصفه ، أم بما غرم ؟ فيه ثلاثة أقوال نوضحها في " كتاب الرضاع " إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        وأما إن سبق وطء الابن ، فعليه لزوجته نصف المسمى . وهل يلزم الأب لزوجته نصف المسمى ؟ فيه الأوجه . فإن ألزمناه ، رجع على الابن كما ذكرنا . ولو وقع الوطآن معا ، فعلى كل واحد نصف ما سمى لزوجته . وهل يرجع على الآخر ؟ وجهان . قال القفال : يرجع كل واحد على صاحبه بنصف ما كان يرجع به لو انفرد ، ويهدر نصفه كالاصطدام ، فإنها حرمت بفعلهما ، وقال الشيخ أبو علي : لا يرجع بشيء .

                                                                                                                                                                        ( الفرع ) الثاني : نكح امرأتين في عقد ، فبانت إحداهما أم الأخرى ، بطل النكاحان . ولا شيء لواحدة منهما ، إلا أن يطأ ، فيجب مهر المثل . ولو نكحهما في عقدين ، ووطئ إحداهما ، ثم بان الحال ، نظر ، إن سبق نكاح الأم ، فإن كانت هي الموطوءة ، فنكاحها بحاله ، والأخرى محرمة . وإن كانت البنت هي الموطوءة ، فالنكاحان باطلان ، لأن البنت نكحها وعنده أمها ، والأم أم موطوءة بشبهة ، وله أن يتزوج البنت متى شاء ، لأنها ربيبة لم يدخل بأمها ، ويجب للبنت مهر المثل ، وللأم نصف المسمى . وإن سبق نكاح البنت ، فإن كانت هي الموطوءة ، فنكاحها بحاله ، والأم حرام أبدا . وإن كانت الموطوءة الأم ، بطل النكاحان ، وحرمتا أبدا ، وللأم مهر المثل ، وللبنت نصف المسمى . وإن أشبهت الموطوءة ، وعرفت التي سبق نكاحها ، ثبت نكاح السابقة ، لأن الأصل استمرار صحته ، وليس له نكاح الثانية ، لأن الأولى [ ص: 116 ] إن كانت بنتا ، فالثانية أم امرأته محرمة أبدا . وإن كانت أما ، فليس له نكاح البنت وأمها تحته . وإن ارتفع نكاح الأم بطلاق أو غيره ، لم يحل له واحدة منهما ، لأن إحداهما محرمة أبدا ، فصار كاشتباه أخته بأجنبية . وإن اشتبه السابق من النكاحين ، وعرفت الموطوءة ، فغير الموطوءة محرمة أبدا ، والموطوءة يوقف نكاحها ، وتمنع من نكاح غيره . وإن طلبت الفسخ للاشتباه ، فسخ كما في اشتباه الأوليين . وإن اشتبه السابق من النكاحين والموطوءة ، وقف عنهما ، لاحتمال سبق البنت والدخول بالأم ، وليس له نكاح واحدة منهما ، لأن إحداهما محرمة أبدا . ولو كانت المسألة بحالها ، لكن وطئهما جميعا ، بطل النكاحان ، وحرمتا أبدا . ثم إن وطئ أولا التي نكحها أولا ، فللأولى مهرها المسمى ، وللثانية مهر المثل . وإن وطئ أولا التي نكحها آخرا ، فلها مهر المثل ، لأنه لم ينعقد نكاحها ، وللمنكوحة أولا جميع مهر ) المثل ونصف المسمى .

                                                                                                                                                                        أما نصف المسمى ، فلارتفاع نكاحها بسبب من الزوج . وأما جميع مهر المثل ، فلأنه وطئها بشبهة بعد ارتفاع النكاح .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية