الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            بقي في الآية سؤالات أربع :

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الأول : الأولاد إذا كانوا صغارا لم يجز نزول العذاب بهم وقد ورد في الخبر أنه صلوات الله عليه أدخل في المباهلة الحسن والحسين - عليهما السلام - فما الفائدة فيه ؟

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب : أن عادة الله تعالى جارية بأن عقوبة الاستئصال إذا نزلت بقوم هلكت معهم الأولاد والنساء ، فيكون ذلك في حق البالغين عقابا ، وفي حق الصبيان لا يكون عقابا ، بل يكون جاريا مجرى إماتتهم وإيصال الآلام والأسقام إليهم ، ومعلوم أن شفقة الإنسان على أولاده وأهله شديدة جدا ، فربما جعل الإنسان نفسه فداء لهم وجنة لهم ، وإذا كان كذلك فهو - عليه السلام - أحضر صبيانه ونساءه مع نفسه وأمرهم بأن يفعلوا مثل ذلك ؛ ليكون ذلك أبلغ في الزجر وأقوى في تخويف الخصم ، وأدل على وثوقه - صلوات الله عليه وعلى آله - بأن الحق معه .

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الثاني : هل دلت هذه الواقعة على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ؟

                                                                                                                                                                                                                                            الجواب : أنها دلت على صحة نبوته - عليه السلام - من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : وهو أنه - عليه السلام - خوفهم بنزول العذاب عليهم ، ولو لم يكن واثقا بذلك ، لكان ذلك منه سعيا في إظهار كذب نفسه ؛ لأن بتقدير أن يرغبوا في مباهلته ، ثم لا ينزل العذاب ، فحينئذ كان يظهر كذبه فيما أخبر ، ومعلوم أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - كان من أعقل الناس ، فلا يليق به أن يعمل عملا يفضي إلى ظهور كذبه فلما أصر على ذلك علمنا أنه إنما أصر عليه لكونه واثقا بنزول العذاب عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيهما : أن القوم لما تركوا مباهلته ، فلولا أنهم عرفوا من التوراة والإنجيل ما يدل على نبوته ، وإلا لما أحجموا عن مباهلته .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : إنهم كانوا شاكين ، فتركوا مباهلته خوفا من أن يكون صادقا فينزل بهم ما ذكر من العذاب ؟

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : هذا مدفوع من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن القوم كانوا يبذلون النفوس والأموال في المنازعة مع الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولو كانوا شاكين لما فعلوا ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أنه قد نقل عن أولئك النصارى أنهم قالوا : إنه والله هو النبي المبشر به في التوراة والإنجيل ، وإنكم لو باهلتموه لحصل الاستئصال فكان ذلك تصريحا منهم بأن الامتناع عن المباهلة كان لأجل علمهم بأنه نبي مرسل من عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 74 ]

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الثالث : أليس أن بعض الكفار اشتغلوا بالمباهلة مع محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث قالوا : ( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ) [ الأنفال : 32 ] ثم إنه لم ينزل العذاب بهم البتة ؟ فكذا هاهنا ، وأيضا فبتقدير نزول العذاب ، كان ذلك مناقضا لقوله : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) [ الأنفال : 33 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب : الخاص مقدم على العام ، فلما أخبر - عليه السلام - بنزول العذاب في هذه السورة على التعيين وجب أن يعتقد أن الأمر كذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الرابع : قوله : ( إن هذا لهو القصص الحق ) هل هو متصل بما قبله أم لا ؟

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب : قال أبو مسلم : إنه متصل بما قبله ولا يجوز الوقف على قوله : ( الكاذبين ) ، وتقدير الآية ( فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) بأن هذا هو القصص الحق ، وعلى هذا التقدير كان حق " إن " أن تكون مفتوحة ، إلا أنها كسرت لدخول اللام في قوله ( لهو ) كما في قوله ( إن ربهم بهم يومئذ لخبير ) [ العاديات : 11 ] ، وقال الباقون : الكلام تم عند قوله : ( على الكاذبين ) وما بعده جملة أخرى مستقلة غير متعلقة بما قبلها ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية