الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3170 [ ص: 239 ] 21 - حدثني إسحاق بن نصر ، حدثنا أبو أسامة ، عن الأعمش ، حدثنا أبو صالح ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يقول الله تعالى : يا آدم ، فيقول : لبيك وسعديك والخير في يديك ، فيقول : أخرج بعث النار ، قال : وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد قالوا : يا رسول الله ، وأينا ذلك الواحد ؟ قال : أبشروا ، فإن منكم رجل ومن يأجوج ومأجوج ألف ، ثم قال : والذي نفسي بيده إني أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبرنا ، فقال : أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبرنا ، فقال : أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبرنا ، فقال : ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " ومن يأجوج ومأجوج " ، وإسحاق بن نصر هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر البخاري ، وأبو أسامة حماد بن أسامة ، والأعمش سليمان ، وأبو صالح ذكوان الزيات ، والحديث أخرجه البخاري أيضا في تفسير سورة الحج .

                                                                                                                                                                                  قوله " لبيك " مضى تفسيره في التلبية في الحج ، قوله : " وسعديك " أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة وإسعادا بعد إسعاد ، ولهذا ثني وهو من المصادر المنصوبة بفعل لا يظهر في الاستعمال ، وقال الجرمي : لم يسمع سعديك مفردا ، قوله : " والخير في يديك " أي ليس لأحد معك فيه شركة ، قوله : " أخرج " بفتح الهمزة أمر من الإخراج ، قوله : " بعث النار " بالنصب مفعوله وهو بفتح الباء الموحدة وبالثاء المثلثة يعني المبعوث ، ويقال : بعث النار حزبها ، وهو إخبار أن ذلك العدد من ولده يصيرون إلى النار ، قوله : " تسعمائة " قال الكرماني : بالنصب والرفع ، ( قلت ) : وجه النصب على التمييز ، ووجه الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، وفي حديث أبي هريرة " من كل مائة تسعة وتسعين " ، وفي الترمذي مثله عن عمران وصححه ، وعن أنس كذلك أخرجه ابن حبان في صحيحه .

                                                                                                                                                                                  وأكثر أئمة البصرة على أن الحسن سمع من عمران ، وعن أبي موسى نحوه رواه ابن مردويه من حديث الأشعث نحوه ، وعن جابر نحوه رواه أبو العباس في مقامات التنزيل ، وفي حديث عمران : " إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ، ثم قال : إني لأرجو أن تكونوا أكثر أهل الجنة" ، قوله : " فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها " أي فعند قول الله تعالى عز وجل لآدم عليه الصلاة والسلام : أخرج بعث النار يشيب الصغير من الهول والشدة .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) يوم القيامة ليس فيه حمل ولا وضع ، قلت : اختلفوا في ذلك الوقت ، فقيل : هو عند زلزلة الساعة قبل خروجهم من الدنيا فهو حقيقة ، وقيل : هو مجاز عن الهول والشدة يعني لو تصورت الحوامل هنالك لوضعن حملهن كما تقول العرب : أصابنا أمر يشيب منه الولدان ، قوله : " رجل " روي بالرفع والنصب ، أما النصب فظاهر وأما الرفع فعلى أنه مبتدأ مؤخر وتقدر ضمير الشأن محذوفا ، والتقدير فإنه منكم رجل وكذا الكلام في ألف وألفا ، قوله : " فكبرنا " أي عظمنا ذلك وقلنا الله أكبر للسرور بهذه البشارة العظيمة ، وإنما ذكر الربع أولا ثم النصف لأنه أوقع في النفس وأبلغ في الإكرام فإن تكرار الإعطاء مرة بعد أخرى دال على الملاحظة والاعتناء به.

                                                                                                                                                                                  وفيه أيضا حملهم على تجديد شكر الله وتكبيره وحمده على كثرة نعمه ، قوله : " أو كشعرة " تنويع من رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - أو شك من الراوي ، وجاء فيه تسكين العين وفتحها .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) إذا كانوا كشعرة فكيف يكونون نصف أهل الجنة ؟ قلت : فيه دلالة على كثرة أهل النار كثرة لا نسبة لها إلى أهل الجنة ، والله تعالى أعلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية