الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 93 ] وأما الطريق الثانية التي جعلها القاضي أبو بكر معتمدة، فهي مع طولها يمكن تقريرها بمقدمات صحيحة، لكنه أدخل في بعض مقدماتها تماثل الجواهر وتناهي الحوادث. ومعلوم لكل مؤمن عاقل أن الإقرار بالصانع لا يفتقر إلى هذا وهذا، بل وعلم الخلق بأن الحادث لا بد له من محدث، لا يفتقر لا إلى هذا ولا إلى هذا، وهو ذكر هاتين المقدمتين مع غيرهما، وفيما ذكره من غيرهما غنية عنهما، فإن تماثيل الأعراض كأجزاء السواد يغنيه عن تماثل الجواهر. وما ذكره من الوجه الأول في امتناع التقدم لعلة يغنيه عن الوجه الثاني، المبني على تناهي الحوادث.

ثم مما ينبغي أن يعرف أن الذين سلكوا الطرق المبتدعة في إثبات الصانع وتصديق رسله، إذا اعتقدوا أنه لا طريق إلا ذلك الطريق، جعلوا من خالفهم في صحة تلك الطريق ملحدا أو دهريا أو نحو ذلك، وهذا يذكرونه في مواضع.

منها: أنهم لما اعتقدوا أن إثبات الصانع تعالى موقوف على إثبات [ ص: 94 ] الجوهر الفرد، جعلوا إثبات ذلك من أقوال المسلمين، ونفي ذلك من أقوال الملحدين.

وكذلك قد يقولون: إن تماثل الجواهر والأجسام من أقوال المسلمين، ونفي ذلك من أقوال الملحدين، وكذلك قد يقولون: إن تناهي الحوادث من أقوال المسلمين، والقول بعدم تناهيها من أقوال الدهرية الملحدين، ولهذا نظائر. مع أن الذين يضيفونه إلى المسلمين قد يكون إنما ابتدعه طائفة من أهل الكلام الذي ذمه السلف والأئمة، والقول الآخر هو الذي عليه سلف الأمة وأئمتها وجمهور الخلق.

وكذلك قد يضيفون إلى السنة ما لا يوجد في كتاب ولا سنة، ولا قول أحد من السلف، بل قد يكون المأثور ضد ذلك، حتى يتناقض أحدهم في النقل. فيحكي إجماع المسلمين، أو إجماع أهل الملل على شيء، ثم يحكي النزاع عنهم في موضع آخر.

التالي السابق


الخدمات العلمية