الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        وأما أن صاحب البدعة تنزع منه العصمة ويوكل إلى نفسه :

                        فقد تقدم نقله ، ومعناه ظاهر جدا :

                        فإن الله تعالى بعث إلينا محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين حسبما أخبر في كتابه ، وقد كنا قبل طلوع ذلك النور الأعظم لا نهتدي سبيلا ، ولا نعرف من مصالحنا الدنيوية إلا قليلا على غير كمال ، ولا من مصالحنا الأخروية قليلا ولا كثيرا ، بل كان كل أحد يركب هواه وإن كان فيه ما فيه ، ويطرح هوى غيره فلا يلتفت إليه .

                        فلا يزال الاختلاف بينهم والفساد فيهم يخص ويعم حتى بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، لزوال الريب والالتباس ، وارتفاع الخلاف الواقع بين الناس :

                        كما قال الله تعالى : ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين ) إلى قوله : ( فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ) .

                        وقوله : ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين ) .

                        ( وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ) .

                        [ ص: 150 ] ولم يكن حاكما بينهم فيما اختلفوا فيه; إلا وقد جاءهم بما ينتظم به شملهم ، وتجتمع به كلمتهم ، وذلك راجع إلى الجهة التي من أجلها اختلفوا ، وهو ما يعود عليهم بالصلاح في العاجل والآجل ، ويدرأ عنهم الفساد على الإطلاق ، فانخفضت الأديان والدماء والعقل والأنساب والأموال ، من طرق يعرف مآخذها العلماء ، وذلك [ من ] القرآن المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم قولا وعملا وإقرارا ، ولم يردوا إلى تدبير أنفسهم; للعلم بأنهم لا يستطيعون ذلك ، ولا يستقلون بدرك مصالحهم ولا تدبير أنفسهم .

                        فإذا ترك المبتدع هذه الهبات العظيمة والعطايا الجزيلة ، وأخذ في استصلاح نفسه أو دنياه بنفسه بما لم يجعل الشرع عليه دليلا ، فكيف له بالعصمة والدخول تحت هذه الرحمة ؟ وقد حل يده من حبل العصمة إلى تدبير نفسه ، فهو حقيق بالبعد عن الرحمة . قال الله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) بعد قوله : ( اتقوا الله حق تقاته ) ، فأشعر أن الاعتصام بحبل الله هو تقوى الله حقا ، وأن ما سوى ذلك تفرقة ، لقوله : ( ولا تفرقوا ) ، والفرقة من أخس أوصاف المبتدعة ، لأنه خرج عن حكم الله وباين جماعة أهل الإسلام .

                        روى عبد بن حميد بن عبد الله : أن حبل الله الجماعة .

                        وعن قتادة : " حبل الله المتين : هذا القرآن وسننه ، وعهده إلى عباده الذي أمر أن يعتصم بما فيه من الخير ، والثقة أن يتمسكوا به ويعتصموا [ ص: 151 ] بحبله . . . " إلى آخر ما قال .

                        ومن ذلك قوله تعالى : ( واعتصموا بالله هو مولاكم ) .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية