الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما بيان كيفية هذا النوع فنقول له كيفيتان : إحداهما أنه طلاق بائن ; لأنه من كنايات الطلاق ، وإنها بوائن عندنا ; ولأنه طلاق بعوض ، وقد ملك الزوج العوض بقبولها فلا بد وأن تملك هي نفسها تحقيقا للمعاوضة ، ولا تملك نفسها إلا بالبائن فيكون طلاقا بائنا ; ولأنها إنما بذلت العوض لتخليص نفسها عن حبالة الزوج ولا تتخلص إلا بالبائن ; لأن الزوج يراجعها في الطلاق الرجعي فلا تتخلص ويذهب مالها بغير شيء وهذا لا يجوز فكان الواقع بائنا .

                                                                                                                                والثانية أنه من جانب الزوج يمين وتعليق الطلاق بشرط وهو قبولها العوض ومن جانبها معاوضة المال وهو تمليك المال بعوض حتى لو ابتدأ الزوج الخلع فقال : خالعتك على ألف درهم لا يملك الزوج الرجوع عنه ولا فسخه ولا نهي المرأة عن القبول ، ولا يبطل بقيامه عن المجلس قبل قبولها ولا بشرط حضور المرأة بل يتوقف على ما وراء المجلس حتى لو كانت غائبة فبلغها فلها القبول ، لكن في مجلسها ; لأنه في جانبها معاوضة لما نذكر ، وله أن يعلقه بشرط ويضيفه إلى وقت نحو أن يقول : إذا قدم زيد فقد خالعتك على ألف درهم أو يقول : خالعتك على ألف درهم غدا أو رأس شهر كذا .

                                                                                                                                والقبول إليها بعد قدوم زيد وبعد مجيء الوقت حتى لو قبلت قبل ذلك لا يصح ; لأن التعليق بالشرط والإضافة إلى الوقت تطليق عند وجود الشرط والوقت ، فكان قبولها قبل ذلك هدرا ، ولو شرط الخيار لنفسه بأن قال : خالعتك على ألف درهم على أني بالخيار ثلاثة أيام لم يصح الشرط ويصح الخلع إذا قبلت ، وإن كان الابتداء من المرأة بأن قالت : اختلعت نفسي منك بألف درهم فلها أن ترجع عنه قبل قبول الزوج ويبطل بقيامها عن المجلس وبقيامه أيضا ، ولا يقف على ما وراء المجلس بأن كان الزوج غائبا حتى لو بلغه وقبل لم يصح ، ولا يتعلق بشرط ولا ينضاف إلى وقت ، ولو شرط الخيار لها بأن قال : خالعتك على ألف درهم على أنك بالخيار ثلاثة أيام ، فقبلت جاز الشرط عند أبي حنيفة ، وثبت لها الخيار حتى إنها إذا اختارت في المدة وقع الطلاق ووجب المال ، وإن ردت لا يقع الطلاق ولا يلزمها المال ، وعند أبي يوسف ومحمد شرط الخيار باطل ، والطلاق واقع والمال لازم .

                                                                                                                                وإنما اختلف الجانبان في كيفية هذا النوع لأنه طلاق عندنا ، ومعلوم أن المرأة لا تملك الطلاق ، بل هو ملك الزوج لا ملك المرأة ، فإنما يقع بقول الزوج وهو قوله : خالعتك فكان ذلك منه تطليقا إلا أنه علقه بالشرط ، والطلاق يحتمل التعليق بالشرط ، والإضافة إلى الوقت لا تحتمل الرجوع والفسخ ولا يتقيد بالمجلس ويقف الغائب عن المجلس ولا يحتمل شرط الخيار ، بل يبطل الشرط ويصح الطلاق .

                                                                                                                                وأما في جانبها فإنه معاوضة المال ; لأنه تمليك المال بعوض ، وهذا معنى معاوضة المال فتراعى فيه أحكام معاوضة المال كالبيع ونحوه وما ذكرنا من أحكامها ، إلا أن أبا يوسف ومحمدا يقولان في مسألة الخيار : إن الخيار إنما شرع للفسخ ، والخلع لا يحتمل الفسخ ; لأنه طلاق عندنا ، وجواب أبي حنيفة عن هذا أن يحمل الخيار في منع انعقاد العقد في حق الحكم على أصل أصحابنا فلم يكن العقد منعقدا في حق الحكم للحال ، بل هو موقوف في علمنا إلى وقت سقوط الخيار فحينئذ يعلم على ما عرف في مسائل البيوع والله الموفق .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية