الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( وقف ) المأموم ( في موات ) أو شارع ( وإمامه في مسجد ) متصل بنحو الموات أو عكسه ( فإن لم يحل شيء ) مما مر بينهما ( فالشرط التقارب ) بأن لا يزيد ما بينهما على نحو ثلثمائة ذراع ، وما اعترض به قوله ولم يحل شيء بأنه متعقب ، إذ لو كان في جدار المسجد باب ولم يقف بحذائه أحد لم تصح القدوة ، رد بأن هذا علم من قوله فيما مر ، وإذا صح اقتداؤه في بناء صح اقتداء من خلفه ( معتبرا من آخر المسجد ) لأن المسجد كله شيء واحد لأنه محل للصلاة فلا يدخل في الحد الفاصل ( وقيل من آخر صف ) فيه لأنه المتبوع ، فإن لم يكن فيه إلا الإمام فمن موقفه .

                                                                                                                            ومحل الخلاف كما قاله الدارمي إذا لم تخرج الصفوف عن المسجد فإن خرجت عنه فالمعتبر من آخر صف خارج المسجد قطعا ، فلو كان المأموم في المسجد والإمام خارجه اعتبرت المسافة من طرفه الذي يلي الإمام ( وإن حال جدار ) لا باب فيه ( أو باب مغلق منع ) القدوة لعدم الاتصال ( وكذا الباب المردود والشباك ) يمنع ( في الأصح ) لحصول الحائل من وجه ، إذ الأول يمنع المشاهدة والثاني الاستطراق ، ومقابل الأصح لا يمنع لحصول الاتصال من وجه ، وبما تقرر علم صحة صلاة الواقف على أبي قبيس بمن في المسجد ، وهو ما نص عليه ، ونصه على عدم الصحة محمول على البعد أو على ما إذا حدثت أبنية بحيث لا يصل إلى الإمام لو توجه إليه من جهة إمامه إلا بازورار وانعطاف بأن يكون بحيث لو ذهب إلى الإمام من مصلاه لا يلتفت عن جهة القبلة بحيث يبقى ظهره إليها ( قلت : يكره ارتفاع المأموم على إمامه ) حيث أمكن وقوفهما بمستوى ( وعكسه ) سواء أكان في المسجد أم غيره كما نص عليه [ ص: 206 ] الشافعي وجزم به في الجواهر وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى خلافا لمن وهم فيه ، وظاهر أن المدار على ارتفاع يظهر حسا وإن قل حيث عده العرف ارتفاعا ، وما نقل عن الشيخ أبي حامد أن قلة الارتفاع لا تؤثر يظهر حمله على ما تقرر ( إلا لحاجة ) تتعلق بالصلاة كتبليغ يتوقف عليه إسماع المأمومين وكتعليمهم صفة الصلاة ( فيستحب ) ارتفاعهما لذلك تقديما لمصلحة الصلاة ، فإن لم تتعلق بها كأن لم يجد إلا موضعا عاليا أبيح ، ولو لم يمكن إلا ارتفاع أحدهما فليكن الإمام كما في الكفاية عن القاضي وما اعترض به من أنه محل النهي فليكن المأموم ، لأنه مقيس رد بأن علة النهي من مخالفة الأدب مع المتبوع أتم في المقيس فكان إيثار الإمام بالعلو أولى ( ولا يقوم ) ندبا من أراد الاقتداء وإن كان شيخا ، ومراده بالقيام كما في الكفاية التوجه ليشمل المصلي قاعدا فيقعد أو مضطجعا فيضطجع أو نحو ذلك ( حتى يفرغ المؤذن ) يعني المقيم وإن كان غير مؤذن ، وتعبيره بالمؤذن جرى على الغالب ( من الإقامة ) أي جميعها ، لأنه ما لم يفرغ منها لم يحضر وقت الصلاة وهو مشتغل بالإجابة قبل تمامها .

                                                                                                                            أما المقيم فيقيم قائما حيث كان قادرا إذ القيام من سننها كما مر ، ونبه عليه المحب الطبري وهو واضح .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : من طرفه ) أي المسجد .

                                                                                                                            ( قوله : بأن يكون إلخ ) تصوير لعدم الازورار والانعطاف ( قوله : لا يلتفت عن جهة القبلة إلخ ) شمل ما لو احتاج في ذهابه إلى الإمام إلى أن يمشي القهقرى مسافة ثم ينحرف ، وهذا قد يؤخذ منه أن مسألة الإسنوي التي حكم الحصني عليه بالسهو فيها شرطها أن يكون بحيث لو أراد الذهاب إلى الإمام من باب المسجد احتاج إلى استدبار القبلة ، ولا يضر احتياجه إلى التيامن والتياسر فليتأمل فيه جدا ا هـ سم على منهج في أثناء كلام طويل .

                                                                                                                            ويؤخذ من قوله ولا يضر احتياجه إلى التيامن والتياسر : أنه لو كان يمكنه الوصول إلى الإمام من غير استدبار القبلة لكن يحتاج فيه إلى انحراف كأن احتاج في مروره لتعدية جدار قصير كالعتبة لم يضر ذلك ، لأنه لم يصدق عليه أنه استدبر القبلة .

                                                                                                                            ( قوله : حيث لو أمكن وقوفهما بمستوى ) أي فإن لم يمكن ذلك كأن وضع المسجد مشتملا على ارتفاع وانخفاض ابتداء كالغورية فلا كراهة ، وبه صرح حج في شرح العباب كذا نقله العلامة الشوبري عنه ، لكن الذي رأيته في الشرح المذكور نصه : وأما استثناء بعض محققي المتأخرين للمسجد زاعما أن ذلك في الأم فليس في محله ، وعبارة الأم لا تشهد له ولفظها : والاختيار أن يكون الإمام مساويا للناس ، ولو كان أرفع منه أو أخفض لم تفسد صلاته ولا صلاتهم ، ولا بأس أن يصلي المأموم من فوق المسجد بصلاة الإمام في المسجد إذا كان يسمع صوته أو يرى بعض من خلفه ، فقد رأيت بعض المؤذنين يصلي على ظهر المسجد الحرام بصلاة الإمام ، مما علمت أن أحدا من أهل العلم عاب عليه ذلك ، وإن كنت قد علمت أن بعضهم أحب ذلك لهم لو أنهم هبطوا إلى المسجد ، ثم أيد ذلك بفعل أبي هريرة فتأمله تجده إنما استدل على عدم بطلان الصلاة [ ص: 206 ] بالارتفاع لا على أن نفي الكراهة في مثل هذا المقام نفي للحرمة لا للكراهة لأنه ذكرها عقب قوله لم تفسد صلاته ولا صلاتهم ، ثم رأيت البلقيني فهم من النص ما فهمته منه حيث ساقه استدلالا على الصحة مع الارتفاع ، على أن للشافعي نصا آخر صريحا في أن الكراهة حاصلة حتى في المسجد كما سبق بيانه في الخطبة انتهى بحروفه .

                                                                                                                            وبقي ما لو تعارض عليه مكروهان كالصلاة في الصف الأول مع الارتفاع والصلاة في غيره مع تقطع الصفوف ، فهل يراعى الأول أو الثاني ؟ فيه نظر . والأقرب الثاني لأن في الارتفاع من حيث هو ما هو على صورة التفاخر والتعاظم ، بخلاف عدم تسوية الصفوف ، فإن الكراهة فيه من حيث الجماعة لا غير .

                                                                                                                            ( قوله : كتبليغ يتوقف عليه إسماع المأمومين ) يؤخذ منه أن ما يفعله المبلغون من ارتفاعهم على الدكة في غالب المساجد وقت الصلاة مكروه مفوت لفضيلة الجماعة ، لأن تبليغهم لا يتوقف على ذلك إلا في بعض المساجد في يوم الجمعة خاصة وهو ظاهر ( قوله : كأن لم يجد إلا موضعا ) عبارة حج : ولم يجد وهي أولى لأن هذه محترز قوله أولا حيث أمكن وقوفهما بمستو .

                                                                                                                            ( قوله : من أراد الاقتداء ) تبع فيه حج ، وعبارة المحلي : ولا يقوم مريد الصلاة حتى يفرغ المؤذن إلخ ، وظاهر استواء الإمام والمأموم في ذلك وهو ظاهر ، ولعل ما ذكره حج والشارح مجرد تصوير لأن المأمومين هم الذين يبادرون للقيام عند شروع المؤذن في الإقامة .

                                                                                                                            ( قوله : وإن كان شيخا ) أي ولا تفوته فضيلة التحرم . قال حج : ولو كان بطيء النهضة بحيث لو أخر إلى فراغها فاتته فضيلة التحرم مع الإمام قام في وقت يعلم به إدراكه التحرم انتهى .

                                                                                                                            أقول : ومثل ذلك ما لو كان المأموم بعيدا وأراد الصلاة في الصف الأول مثلا وكان لو أخر قيامه إلى فراغ المؤذن وذهب إلى الموضع الذي يريد الصلاة فيه فاتته فضيلة التحرم



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : رد بأن هذا علم من قوله فيما مر إلخ ) هذا الرد لا يلاقي الاعتراض كما هو ظاهر ، والذي أجاب به الشهاب حج أن هنا حائلا كما علم من كلامه فلا يرد عليه ( قوله : بحيث لو ذهب إلى الإمام من مصلاه لا يلتفت ) تصوير للنص الأول ، وفي بعض النسخ حذف لفظ لا من لا يلتفت فيكون تصويرا للنص الثاني وهو الظاهر .




                                                                                                                            الخدمات العلمية