الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ذكر مسير أبي أحمد الموفق إلى المدينة التي فيها صاحب الزنج ، وهي المختارة ; ليحاصرها

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لما كتب أبو أحمد إلى صاحب الزنج يدعوه إلى الحق فلم يجبه ، استهانة به ، ركب في جيوش عظيمة قريب من خمسين ألف مقاتل قاصدا إلى مدينته التي أنشأها وسماها المختارة فلما انتهى إليها وجدها في غاية الإحكام ، وقد حوط عليها من آلات الحصار شيئا كثيرا ، وقد التف على صاحب الزنج نحو من ثلاثمائة ألف مقاتل بسيف ورمح ومقلاع ، ومن يكثر سوادهم ، فقدم الموفق ولده أبا العباس بين يديه ، فتقدم حتى وقف تحت قصر الملك فحاصره محاصرة لم ير مثلها ، وتعجب الزنج من إقدامه وجرأته ، مع صغر سنه ، وحداثة عمره فتراكمت الزنوج عليه من كل مكان ، فهزمهم ، وأثبت بهبوذ أكبر أمرائه بالسهام والحجارة ، ثم خامرت جماعة من أمراء صاحب الزنج وأجناده إلى الموفق ، فأكرمهم وأعطاهم خلعا سنية ، فرغب إلى ذلك جماعة كثيرون فصاروا إليه ، ثم ركب أبو أحمد الموفق في يوم النصف من شعبان ، ونادى في الناس كلهم بالأمان إلا صاحب الزنج فتحول خلق كثير من جيشه إلى أبي أحمد ، ولله الحمد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وابتنى الموفق تجاه مدينة صاحب الزنج مدينة سماها الموفقية ، وأمر بحمل الأمتعة والتجارات إليها ، فاجتمع بها من أنواع الأشياء وصنوفها ما لم يجتمع في [ ص: 577 ] بلد قبلها ، وعظم شأنها ، وامتلأت من المعايش والأرزاق وصنوف التجارات والسكان والدواب وغيرهم ، وإنما بناها ليستعين بها على قتال صاحب الزنج ثم جرت بينهم حروب عظيمة ، وما زالت الحرب ناشبة بينهم حتى انسلخت هذه السنة وهم محاصرون البلد الخبيث ومن فيه ، وقد تحول منهم خلق كثير فصاروا على صاحب الزنج بعد أن كانوا معه ، فبلغ عددهم قريبا من خمسين ألفا من الأمراء الخواص والأجناد ، والموفق وأصحابه - ولله الحمد - كل ما لهم في زيادة وقوة ونصر وظفر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحج بالناس في هذه السنة هارون بن محمد بن إسحاق بن موسى بن عيسى الهاشمي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية