الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفرض السابع : الموالاة .

                                                                                                                وهي حقيقة في المجاورة في الأعيان ، وهنا المجاورة في الأفعال ، ومنه الأولياء ، والولاء ، والتوالي .

                                                                                                                وفي الجواهر : في حكمها خمسة أقوال : الوجوب مع الذكر ، والوجوب مطلقا ، وعدمه مطلقا ، والفرق بين الممسوح فلا يجب ، وبين المغسول فيجب ، والفرق بين الممسوح البدلي كالجبيرة والخفين فيجب ، والممسوح الأصلي ، فلا يجب ، وهذه الأقوال تدور على مدارك ، أحدها : آية الوضوء ، والاستدلال بها للوجوب من ثلاثة أوجه : أحدها : قوله تعالى : ( إذا قمتم ) ، فإنه شرط لغوي ، والشروط [ ص: 271 ] اللغوية أسباب ، والأصل ترتيب جملة المسبب على السبب من غير تأخير . الثاني : قوله تعالى : ( فاغسلوا ) الفاء للتعقيب فيجب تعقيب المجموع للشرط ، وهو المطلوب . الثالث : قوله تعالى : ( فاغسلوا ) صيغة أمر ، والأمر للفور على الخلاف فيه بين الأصوليين فيتخرج الخلاف في الفرع على الخلاف في الأصل .

                                                                                                                المستند الثاني : أنه عليه السلام توضأ مرة في فور واحد ، وقال : هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به ، فنفى القبول عند انتفائه ، فدل ذلك على وجوبه ، ثم ها هنا نظر ، وهو أنه عليه السلام هل أشار إليه من حيث هو مرة مرة ، وهو الصحيح ، أو أشار إليه بما وقع فيه من القيود ، فتجب الموالاة ، ويرد هذا الاحتمال أنه لو كانت الإشارة لقيوده لاندرج في ذلك الماء المخصوص ، والفاعل ، والمكان ، والزمان ، وغيره ، وهو خلاف الإجماع ، ولك أن تقول : الإشارة إلى المجموع ، فإن خرج شيء بالإجماع بقي الحديث متناولا لصورة النزاع ، وأما إسقاط الوجوب مع النسيان ، فلضعف مدرك الوجوب المتأكد بالنسيان ، وأما الفرق بين الممسوح وغيره ، فلخفة الممسوح في نظر الشرع ، وأما الممسوح البدل ، فنظرا لأصله .

                                                                                                                فروع ستة :

                                                                                                                الأول : التفريق اليسير لا يضر ، قال القاضي : لا يختلف المذهب في ذلك لقوة الخلاف في المسألة ، ولأنه عليه السلام في حديث المغيرة بن شعبة شرع في وضوء وعليه جبة شامية ضيقة الكم ، فترك عليه السلام وضوءه ، وأخرج يده من كمه من تحت ذيله حتى غسلها ، وهذا تفريق يسير ، ولما في مسلم : قال ابن عمر : رجعنا معه عليه السلام من مكة إلى المدينة حتى إذا كنا بماء في الطريق ، فعمد قوم عند العصر ، فتوضئوا وهم عجال ، فانتهى إليهم ، وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء ، فقال عليه السلام : ( ويل للأعقاب من النار ، أسبغوا الوضوء ) فإن هذا التفريق يسير لقوله تلوح أعقابهم ، وما يرى ذلك إلا إذا كان البلل موجودا .

                                                                                                                الثاني : قال في الكتاب : إذا عجز الماء في الوضوء ، فقام لأخذه إن كان قريبا بنى ، وإن تباعد ، وجف وضوؤه ابتدأ ; لأن القريب في حكم المتصل ، ولأنه عليه [ ص: 272 ] السلام في الحديث أمر تاركي الأعقاب بالإسباغ لا بالإعادة ، وأما إذا كان عالما بأنه لا يكفيه ، فإنه يخرج على الخلاف فيمن فرق بغير سبب .

                                                                                                                والتقييد بالجفوف لأكثر الفقهاء مالك ، والشافعي ، وابن حنبل ، وجماعة ، فكان قيام البلل عندهم بقاء أثر الوضوء فيتصل الأخير بأثر الغسل السابق ، وقيل : المعتبر الطول في العادة ؛ حكاه القابسي لاختلاف الجفاف باختلاف الأبدان ، والأزمان .

                                                                                                                الثالث : في الطراز : إذا قلنا إنها واجبة مع الذكر هل يشترط مع الذكر التمكن أم لا ؟ وينبني عليه إذا نسي عضوا ، وذكره في موضع لا ماء فيه ، ولم يجده حتى طال هل يبتدئ ، أو يبني ؟ وكذلك إذا نسي النجاسة ، ثم ذكرها في الصلاة هل تبطل عند الذكر ، أو ينزعها ، ويتمادى في ذلك خلاف حكاه صاحب الطراز ، قال : إن أخر الشيء اليسير بنى .

                                                                                                                وإن طال ، ولم يتوان في الطلب قال أبو العباس الإبياني : هو كالحائض تبادر للطهر لا تراعي وقت ابتدائها ، وقال صاحب النكت : حكمه حكم من عجز ماؤه في ابتداء الطهارة حكاه عن جماعة من الشيوخ .

                                                                                                                الرابع : قال : إذا نسي لمعة لا يعفى عنها ، وحكى الباجي عن محمد بن دينار فيمن لصق بذراعيه قدر الخيط من العجين أو غيره ، لا يصل الماء إلى ما تحته يصلي بذلك ، ولا شيء عليه ; لأنه يعد في العرف غاسلا ، ولما رواه الدارقطني أنه عليه السلام صلى الصبح ، وقد اغتسل لجنابة ، فكان بكفيه مثل الدرهم لم يصبه الماء ، فقيل يا رسول الله هذا موضع لم يصبه الماء ، فسلت من شعره الماء ومسح ، ولم يعد الصلاة إلا أن الدارقطني ضعفه ، وقياسا على ذلك القدر من الرأس ، ومن بين الأصابع ، والخاتم .

                                                                                                                وقال ابن القاسم : يعيد الصلاة ، فإن كان مما لا يمكن الاحتراز منه لم ينقل حكم الفرض إليه ، قال مالك في الموازية فيمن توضأ ، وعلى يديه مداد ، فرآه بعد [ ص: 273 ] الصلاة لم يغيره الماء : إذا أمر الماء عليه أجزأه ذلك إذا كان كاتبا ، فإنه رأى الكاتب معذورا بخلاف غيره .

                                                                                                                الخامس : الموالاة فرض في الوضوء والغسل خلافا لأحمد بن حنبل ، وفرق بأن الموالاة إنما تكون بين شيئين ، والوضوء أعضاء متعددة ، والغسل واحد ، وهو البدن .

                                                                                                                السادس : إذا نسي شيئا من فروض طهارته إن كان في القرب فعله ، وما بعده ، وإن طال فعله وحده ، وقال ابن حبيب : إن كان مغسولا ، وطال ابتدأ ، وإن كان ممسوحا مسحه فقط ، ورواه مطرف عن مالك .

                                                                                                                أما إن كان المنسي مسنونا ، وذكره بالقرب : قال مالك في المختصر : يعيد ما بعدها بخلاف نسيان المفروض ، وقال في الواضحة خلاف ذلك .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية