الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  311 22 - حدثنا عبيد بن إسماعيل قال : حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : خرجنا موافين لهلال ذي الحجة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أحب أن يهل بعمرة فليهلل ; فإني لولا أني أهديت لأهللت بعمرة ، فأهل بعضهم بعمرة ، وأهل بعضهم بحج ، وكنت أنا ممن أهل بعمرة ، فأدركني يوم عرفة وأنا حائض ، فشكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : دعي عمرتك ، وانقضي رأسك وامتشطي ، وأهلي بحج ، ففعلت حتى إذا كان ليلة الحصبة أرسل معي أخي عبد الرحمن بن أبي بكر ، فخرجت إلى التنعيم فأهللت بعمرة مكان عمرتي ، قال هشام : ولم يكن في شيء من ذلك هدي ولا صوم ولا صدقة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم خمسة ، عبيد بن إسماعيل بن محمد الهباري بفتح الهاء وتشديد الباء الموحدة وبالراء المهملة الكوفي ، ويقال : اسمه : عبيد الله ، مات سنة خمسين ومائتين .

                                                                                                                                                                                  الثاني : أبو أسامة حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي . مر في باب فضل من علم .

                                                                                                                                                                                  الثالث : هشام بن عروة .

                                                                                                                                                                                  الرابع : أبوه عروة بن الزبير بن العوام .

                                                                                                                                                                                  الخامس : عائشة رضي الله تعالى عنها .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) :

                                                                                                                                                                                  فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين .

                                                                                                                                                                                  وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع .

                                                                                                                                                                                  وفيه أن رواته ما بين كوفي ومدني .

                                                                                                                                                                                  ذكر بقية الكلام قولها : موافين لهلال ذي الحجة ، أي : مكملين ذي القعدة مستقبلين لهلاله . وقال النووي : أي : مقارنين لاستهلاله ، وكان خروجهم قبله لخمس بقين من ذي القعدة ، ويقال : موافين ، أي : مشرفين ، يقال أوفى على كذا ، أي : [ ص: 291 ] أشرف ولا يلزم الدخول فيه ، وقدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة لأربع أو خمس من ذي الحجة ، فأقام في طريقه إلى مكة تسعة أيام أو عشرة أيام .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( فليهل ) بتشديد اللام في رواية الأكثرين ، وفي رواية الأصيلي : فليهلل بفك الإدغام ، أي : فليحرم بها .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( أهديت ) ، أي : سقت الهدي ، وإنما كان وجود الهدي علة لانتفاء الإحرام بالعمرة ; لأن صاحب الهدي لا يجوز له التحلل حتى ينحره ، ولا ينحره إلا يوم النحر ، والمتمتع يتحلل قبل يوم النحر ، فهما متنافيان .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( فأهل بعضهم بعمرة ) ، أي : صاروا متمتعين ، وبعضهم بحج ، أي : صاروا مفردين .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( دعي عمرتك ) ، قال الكرماني ، أي : أفعالها لأنفسها ، قلت : قد ذكرنا في الباب السابق أنه أمرها بالترك حقيقة وذكرنا وجهه .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( ليلة الحصبة ) ، كلام إضافي مرفوع ، وكان تامة بمعنى وجدت ، ويجوز نصب الليلة على أن تكون كان ناقصة ، ويكون اسم كان الوقت ، وقال الكرماني : هذا الحديث دليل على أن التمتع أفضل من الإفراد ، فماذا قال الشافعي في دفعه ؟ قلت : إنه صلى الله عليه وسلم إنما قاله من أجل من فسخ الحج إلى العمرة ، والذي هو خاص بهم في تلك السنة خاصة لمخالفة الجاهلية من حيث حرموا العمرة في أشهر الحج ، ولم يرد بذلك المتمتع الذي فيه الخلاف . وقال هذا تطييبا لقلوب أصحابه ، وكانت نفوسهم لا تسمح بفسخ الحج إليها ; لإرادتهم موافقته صلى الله عليه وسلم ، ومعناه : ما يمنعني من موافقتكم مما أمرتكم به إلا سوقي الهدي ، ولولاه لوافقتكم ، قلت : الرواية عن أبي حنيفة أن الإفراد أفضل من التمتع كمذهب الشافعي ، ولكن المذهب التمتع أفضل من الإفراد ; لأن فيه جمعا بين عبادتي العمرة والحج في سفر واحد ، فأشبه القران .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( قال هشام ) ، أي : ابن عروة ، هذا يحتمل التعليق ويحتمل أن يكون عطفا من جهة المعنى على لفظ هشام ، ثم قول هشام يحتمل أن يكون معلقا ، ويحتمل أن يكون متصلا بالإسناد المذكور والظاهر الأول .

                                                                                                                                                                                  ثم اعلم أن ظاهر قول هشام مشكل ; فإنها إن كانت قارنة فعليها هدي القران عند كافة العلماء إلا داود ، وإن كانت متمتعة فكذلك ، لكنها كانت فاسخة كما سلف ، ولم تكن قارنة ولا متمتعة ، وإنما أحرمت بالحج ، ثم نوت فسخه في عمرة ، فلما حاضت ولم يتم لها ذلك رجعت إلى حجها ، فلما أكملته اعتمرت عمرة مبتدأة نبه عليه القاضي ، لكن يعكر عليه قولها : ( وكنت ممن أهل بعمرة ) ، وقولها : ( ولم أهل إلا بعمرة ) ، ويجاب بأن هشاما لما لم يبلغه ذلك أخبر بنفيه ، ولا يلزم من ذلك نفيه من نفس الأمر ، ويحتمل أن يكون لم يأمر به بل نوى أنه يقوم به عنها ، بل روى جابر رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام أهدى عن عائشة بقرة . وقال القاضي عياض : فيه دليل على أنها كانت في حج مفرد لا تمتع ولا قران ; لأن العلماء مجمعون على وجوب الدم فيهما .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية