الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( دين ) الدال والياء والنون أصل واحد إليه يرجع فروعه كلها . وهو جنس من الانقياد ، والذل . فالدين : الطاعة ، يقال دان له يدين دينا ، إذا أصحب وانقاد وطاع . وقوم دين ، أي مطيعون منقادون . قال الشاعر :


                                                          وكان الناس إلا نحن دينا

                                                          والمدينة كأنها مفعلة ، سميت بذلك لأنها تقام فيها طاعة ذوي الأمر . والمدينة : الأمة . والعبد مدين ، كأنهما أذلهما العمل . وقال :


                                                          ربت وربا في حجرها ابن مدينة     يظل على مسحاته يتركل

                                                          فأما قول القائل :


                                                          يا دين قلبك من سلمى وقد دينا

                                                          فمعناه : يا هذا دين قلبك ، أي أذل . فأما قولهم إن العادة يقال لها دين ، فإن كان صحيحا فلأن النفس إذا اعتادت شيئا مرت معه وانقادت له . وينشدون في هذا :


                                                          كدينك من أم الحويرث قبلها     وجارتها أم الرباب بمأسل

                                                          والرواية " كدأبك " ، والمعنى قريب .

                                                          فأما قوله جل ثناؤه : ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ، فيقال : في طاعته ، ويقال في حكمه . ومنه : مالك يوم الدين ، أي يوم الحكم . وقال [ ص: 320 ] قوم : الحساب والجزاء . وأي ذلك كان فهو أمر ينقاد له . وقال أبو زيد : دين الرجل يدان ، إذا حمل عليه ما يكره .

                                                          ومن هذا الباب الدين . يقال داينت فلانا ، إذا عاملته دينا ، إما أخذا وإما إعطاء . قال :

                                                          داينت أروى والديون تقضى     فمطلت بعضا وأدت بعضا

                                                          ويقال : دنت وادنت ، إذا أخذت بدين . وأدنت أقرضت وأعطيت دينا . قال :


                                                          أدان وأنبأه الأولون     بأن المدان ملي وفي

                                                          ، والدين من قياس الباب المطرد ، لأن فيه كل الذل والذل . ولذلك يقولون " الدين ذل بالنهار ، وغم بالليل " . فأما قول القائل :


                                                          يا دار سلمى خلاء لا أكلفها     إلا المرانة حتى تعرف الدينا

                                                          فإن الأصمعي قال : المرانة اسم ناقته ، وكانت تعرف ذلك الطريق ، فلذلك قال : لا أكلفها إلا المرانة . حتى تعرف الدين : أي الحال والأمر الذي تعهده . فأراد لا أكلف بلوغ هذه الدار إلا ناقتي .

                                                          والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية