الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            36 - 33 - باب إخباره - صلى الله عليه وسلم - بالمغيبات .

                                                                                            14063 عن محمد بن جعفر بن الزبير قال : جلس عمير بن وهب الجمحي وصفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر من قريش في الحجر بيسير ، وكان عمير بن وهب شيطانا من شياطين قريش ، وكان ممن يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ويلقون منه عناء أذاهم بمكة ، وكان ابن وهب بن عمير في أسارى أصحاب بدر . قال : فذكروا أصحاب القليب بمصابهم فقال : والله إن في العيش خيرا بعدهم . فقال عمير بن وهب : صدقت والله لولا دين علي ليس عندي قضاؤه ، وعيالي أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى [ ص: 285 ] أقتله فإن لي فيهم علة ابني عندهم أسيرا في أيديهم . قال : فاغتنمها صفوان فقال : علي دينك أنا أقضيه عنك ، وعيالك مع عيالي أسويهم ما بقوا لا نسعهم بعجز عنهم . قال عمير : اكتم عني شأني وشأنك . قال : أفعل ، ثم أمر عمير بسيفه فشحذ وسم ثم انطلق إلى المدينة . فبينما عمر - رضي الله عنه - بالمدينة في نفر من المسلمين يتذاكرون يوم بدر وما أكرمهم الله به وما أراهم من عدوهم ، إذ نظر إلى عمير بن وهب قد أناخ بباب المسجد متوشحا السيف فقال : هذا الكلب والله عمير بن وهب ، ما جاء إلا لشر ، هذا الذي حرش بيننا وحرزنا للقوم يوم بدر . ثم دخل عمر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، هذا عمير بن وهب قد جاء متوشحا بالسيف قال : " فأدخله " . فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلبه بها ، وقال عمر لرجال من الأنصار ممن كان معه : ادخلوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاجلسوا عنده ، واحذروا هذا الكلب عليه ; فإنه غير مأمون . ثم دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به وعمر آخذ بحمالة سيفه فقال : " أرسله يا عمر ، ادن يا عمير " . فدنا فقال : أنعموا صباحا . وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير ، السلام تحية أهل الجنة " . فقال : أما والله يا محمد إن كنت لحديث عهد بها . قال : " فما جاء بك ؟ " . قال : جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسبه قال : " فما بال السيف في عنقك ؟ " . قال : قبحها الله من سيوف فهل أغنت عنا شيئا ؟ قال : " اصدقني ما الذي جئت له ؟ " . قال : ما جئت إلا لهذا . قال : " بلى قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فتذاكرتما أصحاب القليب من قريش فقلت : لولا دين علي وعيالي لخرجت حتى أقتل محمدا . فتحمل صفوان لك بدينك وعيالك على أن تقتلني ، والله حائل بينك وبين ذلك " . قال عمير : أشهد أنك رسول الله ، قد كنا يا رسول الله ، نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء ، وما ينزل عليك من الوحي ، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان ، فوالله إني لأعلم ما أنبأك به إلا الله ، فالحمد لله الذي هداني للإسلام وساقني هذا المساق . ثم شهد شهادة الحق . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فقهوا أخاكم في دينه وأقرئوه القرآن وأطلقوا له أسيره " . ثم قال : يا رسول [ ص: 286 ] الله إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله ، شديد الأذى لمن كان على دين الله ، وإني أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله وإلى الإسلام ، لعل الله أن يهديهم ولا أؤذيهم كما كنت أؤذي أصحابك في دينهم . فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلحق بمكة . وكان صفوان حين خرج عمير بن وهب قال لقريش : أبشروا بوقعة تنسيكم وقعة بدر . وكان صفوان يسأل عنه الركبان ، حتى قدم راكب فأخبره بإسلامه فحلف أن لا يكلمه أبدا ولا ينفعه بنفع أبدا . فلما قدم عمير مكة أقام بها يدعو إلى الإسلام ، ويؤذي من خالفه أذى شديدا ، فأسلم على يديه ناس كثير . رواه الطبراني مرسلا وإسناده جيد .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية