الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 107 ] ( ومن أخرج ظبية من الحرم فولدت أولادا فماتت هي وأولادها فعليه جزاؤهن ) ; لأن الصيد بعد الإخراج من الحرم بقي مستحقا للأمن شرعا ولهذا وجب رده إلى مأمنه ، وهذه صفة شرعية فتسري إلى الولد ( فإن أدى جزاءها ثم ولدت ليس عليه جزاء الولد ) ; لأن بعد أداء الجزاء لم تبق آمنة ; لأن وصول الخلف كوصول الأصل ، والله أعلم .

التالي السابق


( قوله : ومن أخرج ظبية من الحرم ) وهو حلال أو محرم ( قوله وهذه ) أي كونها مستحقة الأمن بالرد إلى المأمن ( صفة شرعية ) فالتأنيث هو باعتبار الخبر مثل قولك زيد هي هدية إليك ، ولا يصح على اعتبار اكتساب الكون التأنيث من المضاف إليه ; لأنه هنا مما لا يصح حذفه وإقامة المضاف إليه مقامه ; لفساد المعنى ; لأنه ضمير الظبية ، ولا يصح الظبية صفة شرعية ، بخلاف نحو شرقت صدر القناة من الدم ، والحاصل أن صفة استحقاق الأمن صفة شرعية كالرق والحرية فتسري إلى الولد عند حدوثه كسائر الصفات الشرعية فيصير خطاب رد الولد مستمرا ، وإذا تعلق خطاب الرد كان الإمساك تعرضا له ممنوعا .

فإذا اتصل الموت به ثبت الضمان ، بخلاف ولد المغصوب ; لأن سبب الضمان الغصب وهو إزالة اليد ولم توجد في حق الولد ، حتى لو منع الولد بعد طلب المالك حتى مات ضمنه أيضا . قالوا : وهذا إذا لم يؤد ضمان الأم قبل الولادة ، فإن كان فعل لا يضمن الولد ; لأن الولد حينئذ لا يسري إليه استحقاق الأمن بالرد إلى المأمن لانتفاء هذه الصفة عن الأم قبل وجوده ، حتى لو ذبح الأم والأولاد حل ; لأنه صيد الحل ، ولكنه يكره ذكره في الغاية ، وكل زيادة في هذا الصيد كالسمن والشعر فضمانه عند موته على التفصيل المذكور ، والذي يقتضيه النظر أن التكفير : أعني أداء الجزاء إن كان حال القدرة على إعادة أمنها بالرد إلى المأمن لا يقع بذلك كفارة ولا يحل بعده التعرض لها ، بل حرمة التعرض لها قائمة .

وإن كان حال العجز عنه بأن هربت في الحل عند ما أخرجها إليه خرج به عن عهدتها فلا يضمن ما يحدث بعد التكفير من أولادها إذا متن ، وله أن يصطادها ، وهذا ; لأن المتوجه قبل العجز عن تأمينها إنما هو خطاب الرد إلى المأمن ولا يزال متوجها ما كان قادرا ; لأن سقوط الأمن إنما هو بفعل المأمور به ما لم يعجز ولم يوجد ، فإذا عجز توجه خطاب الجزاء ، وقد صرح هو بأن الأخذ [ ص: 108 ] ليس سببا للضمان بل القتل بالنص ، فالتكفير قبله واقع قبل السبب فلا يقع إلا نفلا ، فإذا ماتت بعد هذا الجزاء لزمه الجزاء ; لأنه الآن تعلق به خطاب الجزاء ، هذا الذي أدين به . وأقول : يكره اصطيادها إذا أدى الجزاء بعد الهرب ثم ظفر بها لشبهة كون دوام العجز شرط إجزاء الكفارة إلا إذا اصطادها ; ليردها إلى الحرم .



( فروع ) غصب حلال صيد حلال ثم أحرم الغاصب والصيد في يده لزمه إرساله وضمان قيمته للمغصوب منه . فلو لم يفعل بل دفعه للمغصوب منه حتى برئ من الضمان له كان عليه الجزاء وقد أساء . وهذا لغز ، يقال غاصب يجب عليه عدم الرد بل إذا فعل يجب به الضمان ، فلو أحرم المغصوب منه ثم دفعه إليه فعلى كل واحد منهما الجزاء إلا إن عطب قبل وصوله إلى يده . ولو كان المغصوب منه اصطاده وهو حلال وأدخله الحرم يضمن الغاصب له على قول أبي حنيفة خلافا لهما ، ويلزم الجزاء برمي الحلال من الحرم صيدا في الحل كما يلزم في عكسه لقوله تعالى { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } يقال أحرم إذا دخل في أرض الحرم كأشأم إذا دخل في أرض الشأم ، كما يقال أحرم إذا دخل في حرمة الشيء فبعمومه يفيده ، وكذا إرسال الكلب .

وقدمنا في أول فصل الجزاء أن الحلال إذا رمى صيدا في الحل فأصابه في الحرم بأن هرب إلى الحرم فأصابه السهم فيه أن عليه الجزاء ، والذي صرح به في المبسوط أنه لا يلزمه جزاء ولكن لا يحل تناوله ; لأنه في الرمي غير مرتكب للنهي . قال : وهذه المسألة هي المستثناة من أصل أبي حنيفة ، فإن عنده المعتبر حالة الرمي إلا في هذه المسألة خاصة فإنه اعتبر في التناول حالة الإصابة احتياطا ; لأن الحل بالذكاة يحصل ، وإنما يكون ذلك عند الإصابة ، فإذا كان عندها الصيد صيد الحرم لم يحل ، وعلى هذا إرسال الكلب ، والله أعلم .




الخدمات العلمية