الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            أبواب مواقيت الإحرام وصفته وأحكامه

                                                                                                                                            باب المواقيت المكانية ، وجواز التقدم عليها

                                                                                                                                            1811 - ( عن ابن عباس قال : { وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل نجد قرن المنازل ، ولأهل اليمن يلملم ; قال : فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة ، فمن كان دونهن فمهله من أهله ، وكذلك حتى أهل مكة يهلون منها . } )

                                                                                                                                            1812 - ( وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ، ويهل أهل الشام من الجحفة ، ويهل أهل نجد من قرن قال ابن عمر : وذكر لي ولم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ومهل أهل اليمن من يلملم } متفق عليهما . زاد أحمد في رواية وقاس الناس ذات عرق بقرن )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( وقت ) المراد بالتوقيت هنا التحديد ، ويحتمل أن يكون يريد به تعليق الإحرام بوقت الوصول إلى هذه الأماكن بالشرط المعتبر . وقال القاضي عياض : وقت : أي حدد قال الحافظ : وأصل التوقيت أن يجعل للشيء وقتا يختص به ، وهو بيان مقدار المدة ثم اتسع فيه فأطلق على المكان أيضا . قال ابن الأثير : التأقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة ، يقال : وقت الشيء بالتشديد يؤقته ووقته بالتخفيف يقته : إذا بين مدته ، ثم اتسع فيه فقيل : للموضع ميقات . وقال ابن دقيق العيد : إن التأقيت في اللغة : تعليق الحكم بالوقت تم استعمل للتحديد والتعيين ، وعلى هذا فالتحديد من لوازم الوقت ، وقد يكون وقت بمعنى أوجب ، ومنه قوله تعالى: { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } قوله : ( لأهل المدينة ذا الحليفة ) .

                                                                                                                                            بالحاء المهملة والفاء مصغرا . قال في الفتح : مكان معروف : بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين ، قاله ابن حزم . وقال غيره : بينهما عشر مراحل . قال النووي : بينها وبين المدينة ستة أميال ، ووهم [ ص: 350 ] من قال بينهما ميل واحد وهو ابن الصباغ ، وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب ، وفيها بئر يقال لها : بئر علي . ا هـ قوله ( : الجحفة ) بضم الجيم وسكون المهملة . قال في الفتح : وهي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أو ست .

                                                                                                                                            وفي قول النووي في شرح المهذب ثلاث مراحل نظر . وقال في القاموس : هي على اثنين وثمانين ميلا من مكة ، وبها غدير خم كما قال صاحب النهاية قوله

                                                                                                                                            ( قرن المنازل ) بفتح القاف وسكون الراء بعدها نون ، وضبطه صاحب الصحاح بفتح الراء وغلطه صاحب القاموس ، وحكى النووي الاتفاق على تخطئته ، وقيل : إنه بالسكون : الجبل ، وبالفتح : الطريق ، حكاه عياض عن القابسي . قال في الفتح : والجبل المذكور بينه وبين مكة من جهة الشرق مرحلتان قوله : ( يلملم ) بفتح التحتانية واللام وسكون الميم وبعدها لام مفتوحة ثم ميم . قال في القاموس : ميقات أهل اليمن على مرحلتين من مكة . وقال في الفتح كذلك ، وزاد بينهما ثلاثون ميلا قوله : ( فهن ) أي : - المواقيت المذكورة وهي ضمير جماعة المؤنث ، وأصله لما يعقل وقد يستعمل فيما لا يعقل لكن فيما دون العشرة كذا في الفتح قوله : ( لهن ) أي للجماعات المذكورة . ويدل عليه ما وقع في رواية في الصحيحين بلفظ : " هن لهم أو لأهلهن " على حذف المضاف كما وقع في رواية للبخاري بلفظ : " هن لأهلهن " قوله : ( ولمن أتى عليهن ) أي على المواقيت من غير أهل البلاد المذكورة ، فإذا أراد الشامي الحج فدخل المدينة فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها ولا يؤخر حتى يأتي الجحفة التي هي ميقاته الأصلي ، فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور وادعى النووي الإجماع على ذلك

                                                                                                                                            وتعقب بأن المالكية يقولون : يجوز له ذلك وإن كان الأفضل خلافه ، وبه قالت الحنفية وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية ، وهكذا ما كان من البلدان خارجا عن البلدان المذكورة ، فإن ميقات أهلها الميقات الذي يأتون عليه ، قوله : ( فمن كان دونهن ) أي بين الميقات ومكة قوله : ( فمهله من أهله ) أي فميقاته من محل أهله وفي رواية للبخاري " فمن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ " أي من حيث أنشأ الإحرام إذا سافر من مكانه إلى مكة . قال في الفتح : وهذا متفق عليه إلا ما روي عن مجاهد أنه قال : ميقات هؤلاء نفس مكة ، ويدخل في ذلك من سافر غير قاصد للنسك فجاوز الميقات ثم بدا له بعد ذلك النسك فإنه يحرم من حيث تجدد له القصد ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات ، قوله : ( يهلون منها ) الإهلال رفع الصوت ; لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الإحرام ، ثم أطلق نفس الإحرام اتساعا ، والمراد بقوله : " يهلون منها " أي من مكة ولا يحتاجون إلى الخروج إلى الميقات للإحرام منه وهذا في الحج ، وأما العمرة فيجب الخروج إلى أدنى الحل كما سيأتي . قال المحب الطبري : لا أعلم أحدا جعل مكة [ ص: 351 ] ميقاتا للعمرة . واختلف في القارن فذهب الجمهور إلى أن حكمه حكم الحاج في الإهلال من مكة . وقال ابن الماجشون : يتعين عليه الخروج إلى أدنى الحل ، قوله : ( وقاس الناس ذات عرق بقرن ) سيأتي الكلام عليه

                                                                                                                                            1813 - ( وعن ابن عمر قال : { لما فتح هذان المصران أتوا عمر بن الخطاب فقالوا : يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرنا وإنه جور عن طريقنا ، وإن أردنا أن نأتي قرنا شق علينا ، قال : فانظروا حذوها من طريقكم ، قال : فحد لهم ذات عرق } رواه البخاري . )

                                                                                                                                            1814 - ( وروي عن عائشة : { أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق } . رواه أبو داود والنسائي ) .

                                                                                                                                            1815 - ( وعن أبي الزبير : أنه سمع { جابرا سئل عن المهل فقال : سمعت أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : مهل أهل المدينة من ذي الحليفة ، والطريق الآخر الجحفة ; ومهل أهل العراق ذات عرق ; ومهل أهل نجد من قرن ; ومهل أهل اليمن من يلملم } رواه مسلم وكذلك أحمد وابن ماجه ورفعاه من غير شك ) . حديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري وقال في التلخيص : هو من رواية القاسم عنها ، تفرد به المعافى بن عمران عن أفلح عنه ، والمعافى ثقة .

                                                                                                                                            وحديث جابر أخرجه مسلم على الشك في رفعه كما قال المصنف . وأخرجه أبو عوانة في مستخرجه كذلك ، وجزم برفعه أحمد وابن ماجه كما ذكر المصنف ولكن في إسناد أحمد بن لهيعة وهو ضعيف ، وفي إسناد ابن ماجه إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو غير محتج به .

                                                                                                                                            وفي الباب عن الحارث بن عمرو السهمي عند أبي داود . عن أنس عند الطحاوي . وعن ابن عباس عند ابن عبد البر . وعن عبد الله بن عمر . وعند أحمد وفي إسناده الحجاج بن أرطاة . وهذه الطرق يقوي بعضها بعضا ، وبها يرد على ابن خزيمة حيث قال في ذات عرق : أخبار لا يثبت منها شيء عند أهل الحديث ، وعلى ابن المنذر حيث يقول : لم نجد في ذات عرق حديثا يثبت قال في الفتح : لعل من قال : إنه غير منصوص لم يبلغه ، أو رأى ضعف الحديث باعتبار أن كل طريق منها لا يخلو عن مقال . قال : لكن الحديث بمجموع الطرق

                                                                                                                                            [ ص: 352 ] يقوى .

                                                                                                                                            وممن قال بأنه غير منصوص وإنما أجمع عليه الناس طاوس ، وبه قطع الغزالي والرافعي في شرح المسند والنووي في شرح مسلم ، وكذا وقع في المدونة لمالك . ولمن قال بأنه منصوص عليه الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية والرافعي في الشرح الصغير والنووي في شرح المهذب ، وقد أعله بعضهم بأن العراق لم تكن فتحت حينئذ . قال ابن عبد البر : هي غفلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح لكونه علم أنها ستفتح فلا فرق في ذلك بين الشام والعراق ، وبهذا أجاب الماوردي وآخرون ، وقد ورد ما يعارض أحاديث الباب ، فأخرج أبو داود والترمذي عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق } وحسنه الترمذي ولكن في إسناده يزيد بن أبي زياد . قال النووي : ضعيف باتفاق المحدثين . قال الحافظ : في نقل الاتفاق نظر يعرف من ترجمته انتهى ويزيد المذكور أخرج حديثه أهل السنن الأربع ومسلم مقرونا بآخر قال شعبة : لا أبالي إذا كتبت عن يزيد أن لا أكتب عن أحد وهو من كبار الشيعة وعلمائها ، ووصفه في الميزان بسوء الحفظ .

                                                                                                                                            وقد جمع بين هذا الحديث وبين ما قبله بأوجه منها أن ذات عرق ميقات الوجوب ، والعقيق ميقات الاستحباب لأنه أبعد من ذات عرق . ومنها أن العقيق ميقات لبعض العراقيين وهم أهل المدائن ، والآخر ميقات لأهل البصرة ، ووقع ذلك في حديث أنس عند الطبراني وإسناده ضعيف . ومنها أن ذات عرق كانت أولا في موضع العقيق الآن ثم حولت وقربت إلى مكة ، فعلى هذا فذات عرق والعقيق شيء واحد ، حكى هذه الأوجه صاحب الفتح قوله : ( لما فتح هذان المصران ) بالبناء للمجهول .

                                                                                                                                            وفي رواية للكشميهني " لما فتح هذين المصرين " بالبناء للمعلوم ، والمصران تثنية مصر ، والمراد بهما البصرة والكوفة ، قوله : ( وإنه جور ) بفتح الجيم وسكون الواو بعدها راء : أي ميل ، والجور : الميل عن القصد ، ومنه قوله تعالى: { ومنها جائر } قوله : ( فانظروا حذوها ) أي : اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها من غير ميل فاجعلوه ميقاتا . وظاهره أن عمر حد لهم ذات عرق باجتهاد . ولهذا قال المصنف رحمه الله: والنص بتوقيت ذات عرق ليس في القوة كغيره فإن ثبت فليس ببدع وقوع اجتهاد عمر على وفقه فإنه كان موفقا للصواب انتهى

                                                                                                                                            1816 - ( وعن أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر في ذي القعدة إلا التي اعتمر مع حجته ، عمرته من الحديبية ، ومن العام المقبل ، ومن الجعرانة حيث قسم غنائم حنين ، وعمرته مع حجته ) } [ ص: 353 ]

                                                                                                                                            1817 - ( وعن عائشة قالت : { نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصب فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال : اخرج بأختك من الحرم فتهل بعمرة ثم لتطف بالبيت فإنما أنتظركما هاهنا ، قالت : فخرجنا فأهللت ثم طفت بالبيت وبالصفا والمروة ، فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في منزله في جوف الليل ، فقال : هل فرغت ؟ قلت : نعم ، فأذن في أصحابه بالرحيل ، فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح ثم خرج إلى المدينة } . متفق عليهما ) . .

                                                                                                                                            1818 - ( وعن أم سلمة قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { من أهل من المسجد الأقصى بعمرة أو بحجة غفر له ما تقدم من ذنبه } رواه أحمد وأبو داود بنحوه وابن ماجه وذكر فيه العمرة دون الحجة ) .

                                                                                                                                            حديث أم سلمة في إسناده علي بن يحيى بن أبي سفيان الأخنسي قال أبو حاتم الرازي : شيخ من شيوخ المدينة ليس بالمشهور ، وذكره ابن حبان في الثقات . وقال ابن كثير في حديث أم سلمة : هذا اضطراب . قوله : ( أربع عمر ) ثبت مثل هذا من حديث عائشة وابن عمر عند البخاري وغيره .

                                                                                                                                            وأخرج البخاري من حديث البراء : " أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر مرتين " والجمع بينه وبين أحاديثهم بأن البراء لم يعد عمرته التي مع حجته لأن حديثه مقيد بكونه ذلك في ذي القعدة والتي في حجته كانت في ذي الحجة ، وكأنه أيضا لم يعد التي صد عنها وإن كانت وقعت في ذي القعدة أو عدها ، ولم يعد الجعرانة لخفائها عليه كما خفيت على غيره . وفي الباب عن أبي هريرة عند عبد الرزاق قال : { اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر في ذي القعدة } وعن عائشة عند سعيد بن منصور " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر ثلاث عمر مرتين في ذي القعدة وعمرة في شوال " قال في الفتح : وإسناده قوي ، وقولها : " في شوال " مغاير لقول غيرها . ويجمع بينهما بأن ذلك وقع في آخر شوال وأول ذي القعدة

                                                                                                                                            ويؤيده ما رواه ابن ماجه بإسناد صحيح عن عائشة بلفظ " { لم يعتمر صلى الله عليه وسلم إلا في ذي القعدة } وفي البخاري عن عائشة أنها لما سمعت ابن عمر يقول : { اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عمر إحداهن في رجب ، قالت : يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده ، وما اعتمر في رجب قط } وروى الدارقطني عن عائشة أنها قالت { خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة في رمضان فأفطر وصمت ، وقصر وأتممت } الحديث . وقد قدمنا الكلام عليه في قصر الصلاة . قال ابن القيم في الهدي " ما اعتمر [ ص: 354 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان قط " وقال : لا خلاف أن عمره صلى الله عليه وسلم لم تزد على أربع ، فلو كان اعتمر في رجب لكانت خمسا ، ولو كان اعتمر في رمضان لكانت ستا إلا أن يقال : بعضهن في رجب وبعضهن في رمضان وبعضهن في ذي القعدة وهذا لم يقع ، وإنما الواقع اعتماره في ذي القعدة كما قال أنس وابن عباس وعائشة ، قوله : ( من الجعرانة ) قال في القاموس : الجعرانة وقد تكسر العين وتشدد الراء . وقال الشافعي : التشديد خطأ : موضع بين مكة والطائف سمي بريطة بنت سعد ، وكانت تلقب بالجعرانة انتهى قوله : ( المحصب ) هو على ما في القاموس : الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح وموضع رمي الجمار بمنى قوله : ( اخرج بأختك من الحرم ) لفظ البخاري { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يردف عائشة ويعمرها من التنعيم } وقد وقع الخلاف هل يتعين التنعيم لمن اعتمر من مكة ؟ قال الطحاوي : ذهب قوم إلى أنه لا ميقات للعمرة لمن كان بمكة إلا التنعيم ، ولا ينبغي مجاوزته كما لا ينبغي مجاوزة المواقيت التي للحج ، وخالفهم آخرون فقالوا : ميقات العمرة الحل ، وإنما أمر عائشة بالإحرام من التنعيم لأنه كان أقرب الحل إلى مكة . ثم روي عن عائشة أنها قالت : " فكانت أدنانا من الحرم التنعيم فاعتمرت منه " قال : فثبت بذلك أن التنعيم وغيره سواء في ذلك

                                                                                                                                            وقال صاحب الهدي : ولم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر مدة إقامته بمكة قبل الهجرة ولا اعتمر بعد الهجرة إلا داخلا إلى مكة ولم يعتمر قط خارجا من مكة إلى الحل ثم يدخل مكة بعمرة كما يفعل الناس اليوم ، ولا ثبت عند أحد من الصحابة فعل ذلك في حياته إلا عائشة وحدها . قال في الفتح : وبعد أن فعلته عائشة بأمره دل على مشروعيته . انتهى . ولكنه إنما يدل على المشروعية إذا لم يكن أمره صلى الله عليه وسلم بذلك لأجل تطييب قلبها كما قيل : قوله : ( من المسجد الأقصى ) فيه دليل على جواز تقديم الإحرام على الميقات . ويؤيد ذلك ما أخرجه الشافعي في الأم عن عمر والحاكم في المستدرك بإسناد قوي عن علي عليه السلام أنهما قالا : { إتمام الحج والعمرة في قوله تعالى: { وأتموا الحج والعمرة لله } بأن تحرم لهما من دويرة أهلك } بل قد ثبت مرفوعا من حديث أبي هريرة . قال في الدر المنثور : وأخرج ابن عدي والبيهقي عن أبي هريرة { عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: { وأتموا الحج والعمرة لله } قال : إن من تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك } . وأما من قول صاحب المنار : إنه لو كان أفضل لما تركه جميع الصحابة فكلام على غير قانون الاستدلال . وقد حكي في التلخيص أنه فسره ابن عيينة فيما حكاه عنه أحمد بأن ينشئ لهما سفرا من أهله ولكن لا يناسب لفظ الإهلال الواقع في حديث الباب ، ولفظ الإحرام الواقع في حديث أبي هريرة وفي تفسير علي وعمر . وقد قدمنا في بحث حكم العمرة تفسيرا آخر للآية




                                                                                                                                            الخدمات العلمية