الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين

                                                          استغفروا ربكم أي: اطلبوا الغفران، لأن تعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئا، وعبر بـ " ربكم " للإشارة إلى ما يبعثهم على عبادته، وهو أنه الذي خلقهم وربهم ودبر أمورهم بحكمته وإرادته.

                                                          ويبين سبحانه ما يترتب على الاستغفار، وهو ذاته مما يوجب العبادة فقال تعالى: يرسل السماء عليكم مدرارا المراد المطر، وعبر عنه بمكان نزوله من قبيل (إطلاق المحل وإرادة الحال)، ومدرارا أي: كثيرا، ينبت به زرعكم ويكون قوام حياتكم، وفي ذلك الخير فائدتان:

                                                          الفائدة الأولى: أن القرب إلى الله وعبادته الخالصة يبسط الله بهما الرزق، كما قال تعالى: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون

                                                          الفائدة الثانية: تذكيرهم بنعم الله تعالى عليهم وهى توجب أن يؤمنوا بدل أن يشركوا ويقول سبحانه على لسان نبيه هود ويزدكم قوة إلى قوتكم أي: يزيدكم قوة مضمومة إلى قوتكم، فشكر النعمة يزيدها وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد [ ص: 3718 ] .

                                                          فالقوة نعمة فاشكروها تزدادوا قوة إلى قوتكم. وينهاهم عن الفساد والإجرام بهذه القوة التي إن لم تشكر كانت سببا للإجرام، ولذا قال لهم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تتولوا مجرمين أي: لا تتولوا حال كونكم بهذه القوة فتكونوا قوما مجرمين.

                                                          وقد أجابوا هذه الدعوة الرشيدة الحبيبة الرقيقة القوية العميقة بالرفض القاطع فطالبوا بعد الرفض بالبينة، أي: الدليل الملزم، وكان هذا غريبا بعد الرفض كالقاضي الذي يرفض الدعوى ثم يطالب بالدليل.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية