الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  314 ( وبلغ ابنة زيد بن ثابت أن نساء يدعون بالمصابيح من جوف الليل ينظرن إلى الطهر ، فقالت : ما كان النساء يصنعن هذا وعابت عليهن ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة هذا الأثر للترجمة ظاهرة ; لأن نظر النساء إلى الطهر لأجل أن يعلمن إدبار الحيض .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه مالك في الموطأ ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عمته ، عن ابنة زيد بن ثابت أنه بلغنا فذكره ، وعمة ابن أبي بكر اسمها عمرة بنت حزم ، ووقع ذكر بنت زيد بن ثابت ها هنا هكذا مبهما ، ووقع في الموطأ . وقال الحافظ الدمياطي لزيد بن ثابت من البنات أم إسحاق وحسنة وعمرة وأم كلثوم وأم حسن وأم محمد وقريبة وأم سعد ، وفي التوضيح ويشبه أن تكون هذه المبهمة أم سعد ، ذكرها ابن عبد البر في الصحابيات . وقال بعضهم : ولم أر لواحدة منهن يعني من بنات زيد رواية إلا لأم كلثوم ، وكانت زوج سالم بن عبد الله بن عمر ، فكأنها هي المبهمة هنا ، وزعم بعض الشراح أنها أم سعد قال : لأن ابن عبد البر ذكرها في الصحابة ، ثم قال هذا القائل : وليس في ذكره لها دليل على المدعي ; لأنه لم يقل إنها صاحبة هذه القصة ، بل لم يأت لها ذكر عنده ، ولا عند غيره ، إلا من طريق عنبسة بن عبد الرحمن ، وقد كذبوه " ، وكان مع ذلك يضطرب فيها ، فتارة يقول : بنت زيد وتارة يقول : امرأة زيد ، ولم يذكر أحد من أهل المعرفة بالنسب في أولاد زيد من يقال لها أم سعد . انتهى .

                                                                                                                                                                                  قلت : ذكره الذهبي ، فقال أم سعد بنت زيد بن ثابت وقيل : امرأته ، وأيضا عدم رؤية هذا القائل رواية الواحدة من بنات زيد إلا لأم كلثوم لا ينافي رواية غيرها من بناته ; لأنه ليس من شأنه أن يحيط بجميع الروايات .

                                                                                                                                                                                  وقوله : ( زعم بعض الشراح ) أراد به صاحب التوضيح ، فليت شعري ما الفرق بين زعم هذا وزعمه هو حيث قال : فكأنها هي المبهمة ، أي : أم كلثوم هي المبهمة في هذا الأثر .على أن صاحب التوضيح ما جزم بما قاله ، بل قال : ويشبه أن تكون هذه المبهمة أم سعد .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( إن نساء ) هكذا وقع في غالب النسخ بدون الألف واللام ، وفي بعضها: ( إن النساء ) بالألف واللام حتى قال الكرماني : إن اللام للعهد ، عن نساء الصحابة وبدون اللام أعم وأشمل .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( يدعون ) بلفظ الجمع المؤنث ويشترك في هذه المادة الجمع المذكر والمؤنث ، وفي التقدير مختلف فوزن الجمع المذكر يفعون ، ووزن الجمع المؤنث يفعلن ، ومعنى يدعون بالمصابيح يطلبنها لينظرن بها إلى ما في الكراسيف حتى يقفن على ما يدل على الطهر ، وفي رواية الكشميهني : يدعين . قاله بعضهم .

                                                                                                                                                                                  قلت : في نسبة هذا إليه نظر لا يخفى ، ثم قال هذا القائل : قال صاحب القاموس : دعيت لغة في دعوت .

                                                                                                                                                                                  قلت : أراد بهذا تقوية صحة ما رواه عن الكشميهني ، ولا يفيده هذا ; لأن صاحب القاموس تكلم فيه .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( إلى الطهر ) ، أي : إلى ما يدل على الطهر من القطنة .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( وعابت عليهن ) ، أي : عابت بنت زيد بن ثابت على النساء المذكورة ، وإنما عابت عليهن ; لأن ذلك يقتضي الحرج ، وهو مذموم وكيف لا وجوف الليل ليس إلا وقت الاستراحة ، وقيل : لكون ذلك كان في غير وقت الصلاة ، وهو جوف الليل ، قال بعضهم : فيه نظر ; لأنه وقت العشاء .

                                                                                                                                                                                  قلت : فيه نظر لأنه لم يدل شيء أنه [ ص: 299 ] كان وقت العشاء ; لأن طلب المصابيح لأمر غالب لا يكون إلا في شدة الظلمة ، وشدة الظلمة لا تكون إلا في جوف الليل ، وروى البيهقي من حديث عباد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة ، (عن عائشة أنها كانت تنهى النساء أن ينظرن إلى أنفسهن ليلا في الحيض ، وتقول : إنها قد تكون الصفرة والكدرة ) ، وعن مالك : لا يعجبني ذلك ، ولم يكن للناس مصابيح ، وروى ابن القاسم عنه أنهن كن لا يقمن بالليل . وقال صاحب ( التلويح ) : يشبه أن يكون ما بلغ ابنة زيد عن النساء كان في أيام الصوم لينظرن الطهر لنية الصوم ; لأن الصلاة لا تحتاج لذلك ; لأن وجوبها عليهن إنما يكون بعد طلوع الفجر .

                                                                                                                                                                                  واختلف الفقهاء في الحائض تطهر قبل الفجر ولا تغسل حتى يطلع الفجر ، فقال أبو حنيفة : إن كانت أيامها أقل من عشرة صامت وقضت ، وإن كانت عشرة صامت ولم تقض . وقال مالك والشافعي وأحمد هي بمنزلة الجنب تغتسل وتصوم ، ويجزيها صوم ذلك اليوم ، وعن عبد الملك بن ماجشون : يومها ذلك يوم فطر . وقال الأوزاعي : تصومه وتقضيه .

                                                                                                                                                                                  وفي القواعد لابن رشد اختلف الفقهاء في علامة الطهر ; فرأى قوم أن علامته القصة أو الجفوف ، قال ابن حبيب : وسواء كانت المرأة من عادتها أنها تطهر بهذه ، وفرق قوم فقالوا : إن كانت ممن لا يراها فطهرها الجفوف . وقال ابن حبيب : الحيض أوله دم ، ثم يصير صفرة ، ثم تربة ، ثم كدرة ، ثم يكون ريقا كالقصة ، ثم ينقطع ، فإذا انقطع قبل هذه المنازل وجف أصلا فذلك إبراء للرحم ، وفي المصنف ، عن عطاء : الطهر الأبيض الجفوف الذي ليس معه صفرة ، ولا ماء وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه سئلت عن الصفرة اليسيرة قالت : اعتزلن الصلاة ما رأين ذلك حتى لا ترين إلا لبنا خالصا .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية