الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : فاصدع بما تؤمر .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس ( فاصدع بما تؤمر ) فامضه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن أبي عبيدة أن عبد الله بن مسعود قال : ما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا حتى نزل ( فاصدع بما تؤمر ) فخرج هو وأصحابه .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 657 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو داود في «ناسخه» من طريق علي عن ابن عباس ( وأعرض عن المشركين ) قال : نسخه قوله : ( فاقتلوا المشركين ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، عن ابن عباس في قوله : ( فاصدع بما تؤمر ) قال : هذا أمر من الله لنبيه بتبليغ رسالته قومه وجميع من أرسل إليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : ( فاصدع بما تؤمر ) قال : اجهر بالقرآن في الصلاة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في قوله : ( فاصدع بما تؤمر ) قال : بالقرآن الذي أوحي إليه أن يبلغهم إياه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس ( فاصدع بما تؤمر ) قال : أعلن بما تؤمر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو نعيم في «الدلائل» من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيا سنين لا يظهر شيئا مما أنزل الله حتى نزلت ( فاصدع بما تؤمر ) يعني : أظهر أمرك بمكة فقد أهلك الله المستهزئين بك وبالقرآن وهم خمسة رهط ، فأتاه جبريل بهذه الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أراهم أحياء بعد كلهم ، فأهلكوا في يوم واحد [ ص: 658 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وليلة ، منهم العاصي بن وائل السهمي خرج في يومه ذلك في يوم مطير فخرج على راحلته يسير ، وابن له يتنزه ويتغدى فنزل شعبا من تلك الشعاب ، فلما وضع قدمه على الأرض قال : لدغت ، فطلبوا فلم يجدوا شيئا وانتفخت رجله حتى صارت مثل عنق البعير فمات مكانه ، ومنهم الحارث بن قيس السهمي أكل حوتا مالحا فأصابه غلبة عطش فلم يزل يشرب عليه من الماء حتى انقد بطنه فمات وهو يقول : قتلني رب محمد ، ومنهم الأسود بن المطلب وكان له ابن يقال له زمعة بالشام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا على الأب أن يعمى بصره وأن يثكل ولده فأتاه جبريل بورقة خضراء فرماه بها فذهب بصره ، وخرج يلاقي ابنه ومعه غلام له فأتاه جبريل وهو قاعد في أصل شجرة فجعل ينطح رأسه ويضرب وجهه بالشوك فاستغاث بغلامه فقال له غلامه : لا أرى أحدا يصنع بك شيئا غير نفسك ، حتى مات وهو يقول : قتلني رب محمد ، ومنهم الوليد بن المغيرة مر على نبل لرجل من خزاعة قد راشها وجعلها في الشمس فوطئها فانكسرت فتعلق به سهم منها فأصاب أكحله فقتله ، ومنهم الأسود بن عبد يغوث خرج من أهله فأصابه السموم فاسود حتى عاد حبشيا فأتى أهله فلم يعرفوه فأغلقوا دونه الباب حتى مات ، وهو يقول : قتلني رب محمد ، فقتلهم الله جميعا فأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره وأعلنه بمكة .


                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو نعيم في «الدلائل» بسندين ضعيفين عن ابن عباس في قوله : [ ص: 659 ]

                                                                                                                                                                                                                                      ( إنا كفيناك المستهزئين ) قال : قد سلطت عليهم جبريل وأمرته بقتلهم فعرض للوليد بن المغيرة فعثر به فعصره عن نصل في رجله حتى خرج رجيعه من أنفه ، وعرض للأسود بن عبد العزى وهو يشرب ماء فنفخ في ذلك حتى انتفخ جوفه فانشق واعترض للعاصي بن وائل وهو متوجه إلى الطائف فنخسه بشبرقة فجرى سمها إلى رأسه وقتل الحارث بن قيس بلكزة فما زال يفوق حتى مات ، وقتل الأسود بن عبد يغوث الزهري .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني في «الأوسط» والبيهقي وأبو نعيم كلاهما في «الدلائل» ، وابن مردويه بسند حسن والضياء في «المختارة» عن ابن عباس في قوله : ( إنا كفيناك المستهزئين ) قال : المستهزئون الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب والحارث بن غيطلة السهمي والعاصي بن وائل فأتاه جبريل فشكاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراه الوليد ، فأومأ جبريل إلى أبجله فقال : ما صنعت شيئا ، قال : كفيتكه ، ثم أراه الأسود بن المطلب فأومأ إلى عينيه فقال : ما صنعت شيئا ، قال : كفيتكه ، ثم أراه [ ص: 660 ]

                                                                                                                                                                                                                                      الأسود بن عبد يغوث فأومأ إلى رأسه فقال : ما صنعت شيئا " فقال : كفيتكه . ثم أراه الحارث فأومأ إلى بطنه فقال : ما صنعت شيئا ، فقال : كفيتكه ، ثم أراه العاصي بن وائل فأومأ إلى أخمصه فقال : ما صنعت شيئا ، فقال كفيتكه ، فأما الوليد فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبلا فأصاب أبجله فقطعها . وأما الأسود بن المطلب فنزل تحت سمرة فجعل يقول : يا بني ألا تدفعون عني قد هلكت أطعن بالشوك في عيني ، فجعلوا يقولون : ما نرى شيئا ، فلم يزل كذلك حتى عميت عيناه . وأما الأسود بن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح فمات منها . وأما الحارث فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات منه . وأما العاصي فركب إلى الطائف فربض على شبرقة فدخل في أخمص قدمه شوكة فقتلته .


                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، وأبو نعيم في «الدلائل» من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة قال : إن محمدا كاهن يخبر بما يكون قبل أن يكون فقال أبو جهل : محمد ساحر يفرق بين الأب والابن ، وقال عقبة بن أبي معيط : محمد مجنون يهذي في جنونه ، وقال أبي بن خلف : محمد كذاب ، فأنزل الله ( إنا كفيناك المستهزئين ) القتل بدر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير والطبراني ، وابن مردويه ، عن ابن عباس أن المستهزئين [ ص: 661 ]

                                                                                                                                                                                                                                      ثمانية : الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث والعاصي بن وائل والحارث بن عدي بن سهم وعبد العزى بن قصي ، وهو أبو زمعة وكلهم هلك قبل بدر بموت أو مرض ، والحارث بن قيس من الغياطل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس قال : ( المستهزئين ) منهم : الوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل والحارث بن قيس والأسود بن المطلب والأسود بن عبد يغوث وأبو هبار بن الأسود .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، عن علي ( إنا كفيناك المستهزئين ) قال : خمسة من قريش كانوا يستهزئون برسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الحارث بن غيطلة والعاصي بن وائل والأسود بن عبد يغوث والوليد بن المغيرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البزار والطبراني في «الأوسط» عن أنس قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم على أناس بمكة فجعلوا يغمزون في قفاه ويقولون : هذا الذي يزعم أنه نبي ومعه جبريل ، فغمز جبريل بإصبعه فوقع مثل الظفر في أجسادهم فصارت قروحا نتنوا ، فلم يستطع أحد أن يدنو منهم ، وأنزل الله ( إنا كفيناك المستهزئين ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق في «المصنف» عن عكرمة قال : مكث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة سنة منها أربع أو خمس يدعو إلى الإسلام سرا وهو خائف حتى بعث الله على الرجال الذين أنزل فيهم ( إنا كفيناك المستهزئين ) - ( الذين [ ص: 662 ]

                                                                                                                                                                                                                                      جعلوا القرآن عضين
                                                                                                                                                                                                                                      ) والعضين بلسان قريش السحر ، فأمر بعداوتهم فقال : ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ) ثم أمر بالخروج إلى المدينة فقدم في ثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول ثم كانت وقعة بدر ففيهم أنزل الله ( وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم ) وفيهم نزلت ( سيهزم الجمع ) وفيهم نزلت : ( حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب ) وفيهم نزلت ( ليقطع طرفا من الذين كفروا ) وفيهم نزلت ( ليس لك من الأمر شيء ) أراد الله القوم وأراد رسول الله العير وفيهم نزلت ( ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا ) الآية ، وفيهم نزلت ( قد كان لكم آية في فئتين التقتا ) في شأن العير ( والركب أسفل منكم ) أخذوا أسفل الوادي ، فهذا كله في أهل بدر وكانت قبل بدر بشهرين سرية يوم قتل ابن الحضرمي ثم كانت أحد ثم يوم الأحزاب بعد أحد بسنتين ثم كانت الحديبية - وهو يوم الشجرة - فصالحهم النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ على أن يعتمر في عام قابل في هذا الشهر ، ففيها أنزلت ( الشهر الحرام بالشهر الحرام ) فشهر العام الأول بشهر العام الثاني فكانت ( والحرمات قصاص ) ثم كان الفتح بعد العمرة ففيها نزلت ( حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد ) الآية ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم غزاهم ولم يكونوا أعدوا له أهبة القتال ولقد قتل من قريش يومئذ [ ص: 663 ]

                                                                                                                                                                                                                                      أربعة رهط ومن حلفائهم ومن بني بكر خمسين أو زيادة ، وفيهم نزلت - لما دخلوا في دين الله ( وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار ) ثم خرج إلى حنين بعد عشرين ليلة ثم إلى الطائف ثم إلى المدينة ثم أمر أبا بكر على الحج ، ولما رجع أبو بكر من الحج غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوكا ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم العام المقبل ثم ودع الناس ثم رجع فتوفي في ليلتين خلتا من شهر ربيع .


                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق وابن عساكر ، عن عكرمة في قوله : ( إنا كفيناك المستهزئين ) قال : هم خمسة كلهم هلك قبل بدر ، العاصي بن وائل ، والوليد بن المغيرة ، وأبو زمعة بن الأسود ، والحارث بن قيس ابن الغيطلة ، والأسود بن عبد يغوث .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الربيع في قوله : ( إنا كفيناك المستهزئين ) قال : هؤلاء فيما سمعنا خمسة رهط استهزؤوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أراد صاحب اليمن أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم أتاه الوليد بن المغيرة فزعم أن محمدا ساحر ، وأتاه العاصي بن وائل وأخبره أن محمدا يعلم أساطير الأولين فجاءه آخر فزعم أنه كاهن وجاءه آخر فزعم أنه شاعر وجاءه آخر فزعم أنه مجنون فكفى الله محمدا أولئك [ ص: 664 ]

                                                                                                                                                                                                                                      الرهط في ليلة واحدة فأهلكهم بألوان من العذاب ، كل رجل منهم أصابه عذاب ، فأما الوليد فأتى على رجل من خزاعة وهو يريش نبلا له فمر به وهو يتبختر فأصابه منها سهم فقطع أكحله فأهلكه الله . وأما العاصي بن وائل فإنه دخل في شعب فنزل في حاجة له فخرجت إليه حية مثل العمود فلدغته فأهلكه الله . وأما الآخر فكان رجلا أبيض حسن اللون خرج عشاء في تلك الليلة فأصابه سموم شديدة الحر فرجع إلى أهله وهو مثل حبشي فقالوا : لست بصاحبنا ، فقال : أنا صاحبكم ، فقتلوه . وأما الآخر فدخل في بئر له فأتاه جبريل فغمه فيها فقال : إني قتلت فأغيثوني : فقالوا : والله ما نرى أحدا ، فكان كذلك حتى أهلكه الله . وأما الآخر فذهب إلى إبله ينظر فيها فأتاه جبريل بشوك القتاد فضربه فقال : أغيثوني فإني قد هلكت ، قالوا : والله ما نرى أحدا ، فأهلكه الله فكان لهم في ذلك عبرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عكرمة قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحنى ظهر الأسود بن عبد يغوث حتى احقوقف صدره ، فقال : النبي صلى الله عليه وسلم خالي خالي فقال جبريل : دعه عنك فقد كفيتكه فهو من المستهزئين ، قال : وكانوا يقولون سورة البقرة وسورة العنكبوت يستهزئون بها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو نعيم في «الدلائل» عن قتادة قال : هؤلاء رهط من قريش منهم الأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب والوليد بن المغيرة والعاصي بن [ ص: 665 ] وائل وعدي بن قيس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وأبو نعيم عن أبي بكر الهذلي قال : قيل للزهري إن سعيد بن جبير وعكرمة اختلفا في رجل من المستهزئين فقال سعيد : الحارث ابن غيطلة ، وقال عكرمة : الحارث بن قيس : فقال : صدقا جميعا ، كانت أمه تسمى غيطلة وكان أبوه قيسا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وأبو نعيم عن الشعبي قال : المستهزئون سبعة سمى منهم العاصي بن وائل والوليد بن المغيرة وهبار بن الأسود وعبد يغوث بن وهب والحارث ابن غيطلة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو نعيم عن قتادة ومقسم مولى ابن عباس ( إنا كفيناك المستهزئين ) قال : هم الوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل وعدي بن قيس والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب مروا رجلا رجلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل فإذا مر به رجل منهم قال له جبريل : كيف تجد هذا فيقول : بئس عبد الله فيقول جبريل : كفيناكه ، فأما الوليد فتردى فتعلق سهم بردائه فذهب يجلس فقطع أكحله فنزف حتى مات . وأما الأسود بن عبد يغوث فأتي بغصن فيه شوك فضرب به وجهه فسالت حدقتاه على وجهه فمات . وأما العاصي فوطئ على شوكة فتساقط لحمه عن عظامه حتى هلك . وأما الأسود بن المطلب وعدي بن قيس [ ص: 666 ]

                                                                                                                                                                                                                                      فأحدهما قام من الليل وهو ظمآن ليشرب من جرة فلم يزل يشرب حتى انفتق بطنه فمات . وأما الآخر فلدغته حية فمات .


                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية