الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل وللولي أن يأكل من مال المولى عليه بقدر عمله إذا احتاج إلى ذلك وهل يلزمه عوض إذا أيسر ؛ على روايتين ، وكذلك يخرج في الناظر في الوقف ومتى زال الحجر عنه فادعى على الولي تعديا ، أو ما يوجب ضمانا فالقول قول الولي ، وكذلك القول قوله في دفع المال إليه بعد رشده وهل للزوج أن يحجر على امرأته في التبرع بما زاد على الثلث من مالها ؛ على روايتين .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( وللولي أن يأكل من مال المولى عليه بقدر عمله إذا احتاج إلى ذلك ) لقوله تعالى : ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف [ النساء : 6 ] ، ولما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إني فقير ، وليس لي شيء ولي يتيم فقال : كل من مال يتيمك غير مسرف . رواه أبو بكر ، وروى ابن بطة عن الحسن العرني مرفوعا : معناه ، ولأنه إنما يستحق بعمله فتقيد بقدره ، والمذهب كما جزم به الجماعة أن له الأقل من أجرة مثله ، أو قدر كفايته ، لأنه يستحقه بالعمل ، والحاجة جميعا ، فلم يجز أن يأخذ إلا ما وجد فيه ، وفي الإيضاح إذا قدره حاكم ، وقيده في " الرعاية " ، و " الوجيز " إن شغله ذلك عن ما يقوم بكفايته قال ابن رزين : يأكل فقير ، ومن يمنعه من معاشه بمعروف ، وظاهره أنه لا يحل له تناول شيء مع غناه لقوله تعالى : ومن كان غنيا فليستعفف [ النساء : 6 ] ، وعنه : بلى ، اختاره ابن عقيل كالعمل في الزكاة وحمل الآية على الاستحباب ، وعنه : [ ص: 346 ] لا يجوز للوصي أن يأكل شيئا من مال اليتيم مطلقا ( وهل يلزمه عوضه إذا أيسر ؛ على روايتين ) كذا في " المحرر " الأصح أنه لا يلزمه ، لأن ذلك جعل عوضا له عن عمله ، فلم يلزمه عوضه كالأجير ، والمضارب ، ولأنه يقال أمر بالأكل ، ولم يذكر عوضا ، والثانية : بلى ، وقاله مجاهد وعطاء ، وسعيد بن جبير ، لأنه استباحة بالحاجة من مال غيره ، فلزمه عوضه كالمضطر إلى طعام غيره ، وجوابه بأن العوض وجب عليه في ذمته بخلافه هنا ، وهذا الخلاف في غير الأب . قاله في " المغني " ، و " الشرح " وإذا قلنا برد البدل فيتوجه برده إلى الحاكم ، لأنه لا يبرئ نفسه بنفسه ( وكذلك يخرج في الناظر في الوقف ) إذا لم يشرط له شيئا ، وهذا التخريج ذكره أبو الخطاب ، وغيره ، لأنه يساوي الوصي معنى وحكما ونص أحمد في الناظر أنه يأكل بمعروف ، وظاهره ، ولو لم يكن محتاجا . قاله في القواعد ، وعنه : أيضا إذا اشترط ، قيل له : فيقضي دينه ؛ قال : ما سمعت . قال الشيخ تقي الدين : لا يقدم بمعلومه بلا شرط إلا أن يأخذ أجرة عمله مع فقره كوصي اليتيم وفرق القاضي بين الوصي بأنه لا يمكنه موافقته على الأجرة ، والوكيل يمكنه ( ومتى زال الحجر عنه فادعى على الولي تعديا ، أو ما يوجب ضمانا ) كدعوى النفقة ، وقدرها ووجود الغبطة ، والضرورة ، والمصلحة ، والتلف ( فالقول قول الولي ) مع يمينه ، لأنه يقبل قوله في عدم التفريط ، فكذا هنا كالمودع ، وهذا ما لم يخالف عادة وعرفا ، وظاهره أنه يحلف الولي ، ولو كان حاكما ، وهو رواية ، والمذهب أنه لا يحلف الحاكم فلو قال : أنفقت عليك منذ سنتين فقال : منذ سنة قدم قول الصبي ، لأن الأصل يوافقه ، وظاهره أن الحظ ، والغبطة لا تفتقر إلى ثبوت ذلك عند الحاكم ( وكذلك القول قوله في [ ص: 347 ] دفع المال إليه بعد رشده ) هذا هو المذهب ، لأنه أمين ، أشبه المودع ، وقيل : يقبل قول الصبي لقوله تعالى : فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم [ النساء : 6 ] فمتى ترك الإشهاد ، فقد فرط فلزمه الضمان فعليه لا يقبل قول الولي إلا ببينة ، وكذلك الحكم في المجنون ، والسفيه ( وهل للزوج ) الرشيد قاله في " الرعاية " ( أن يحجر على امرأته ) أي : الرشيدة ( في التبرع بما زاد على الثلث من مالها ؛ على روايتين ) كذا في " الرعاية " أرجحهما ليس له منعها ، وهي ظاهر الخرقي ، وجزم بها في " الوجيز " ، وقدمها في " الفروع " لقوله تعالى : فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم [ النساء : 6 ] وهي ظاهرة في فك الحجر عنهن وإطلاقهن في التصرف بدليل قوله عليه السلام : يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن . وكن يتصدقن ويقبل منهن ولم يستفصل ، ولأن من وجب دفع ماله إليه لرشده جاز له التصرف بغير إذن كالغلام ، والثانية : يملك منعها من ذلك أي : بزيادة على الثلث نصره القاضي وأصحابه لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يجوز للمرأة عطية في مالها إلا بإذن زوجها ، إذ هو مالك عصمتها . رواه أبو داود ، ولأن حق الزوج يتعلق بمالها وينتفع به وإذا أعسر بالنفقة أنظرته فجرى مجرى حقوق الورثة المتعلقة بمال المريض ، وجوابه بأن شعيبا لم يدرك عبد الله بن عمرو ، وليس لهم حديث يدل على تحديد ، وقياسهم على المريض فاسد ، لأن المرض سبب إلى وصول المال إليهم بالميراث ، والزوجية إنما تجعله من أهل الميراث فهي أحد وصفي العلة ، فلا يثبت الحكم بمجردها [ ص: 348 ] كما لا يثبت لها الحجر على زوجها ، وظاهره أنه لا يملك منعها من التبرع بما دون الثلث ، وعنه : بلى صححها في " عيون المسائل " قال : لا تهب شيئا إلا بإذنه ، ولا ينفذ عتقها إلا بإذنه لظاهر الخبر .




                                                                                                                          الخدمات العلمية