الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            فلو كان السبق بأربعة أركان والإمام في الخامس كأن تخلف بالركوع والسجدتين والقيام والإمام حينئذ في الركوع بطلت صلاته قاله البلقيني ( فإن سبق بأكثر ) مما ذكر بأن انتهى إلى الرابع كأن ركع الإمام والمأموم في الاعتدال أو قام أو قعد وهو في القيام ( فقيل يفارقه ) بالنية حتما لتعذر الموافقة ( والأصح ) أنه لا تلزمه مفارقته بل ( يتبعه ) حتما إن لم ينو مفارقته ( فيما هو فيه ) إذ لو سعى على ترتيب نفسه لكان فيه مخالفة فاحشة ولهذا تبطل به من عالم عامد ، وإذا تبعه فركع قبل أن يتم الفاتحة تخلف لإتمامها ما لم يسبق بأكثر أيضا ( ثم يتدارك ) ما فاته ( بعد سلام الإمام ) كالمسبوق ( ولو لم يتم ) المأموم ( الفاتحة لشغله بدعاء الافتتاح ) مثلا وقد ركع إمامه ( فمعذور ) في تخلفه لإتمامها كبطيء القراءة فيأتي فيما مر .

                                                                                                                            وقد علم مما تقرر أن المراد بفراغه من الركن انتقاله عنه لا الإتيان بالواجب منه ، وظاهر كلامهم هنا عذره وإن لم يندب في حقه دعاء الافتتاح بأن ظن عدم إدراك الفاتحة لو اشتغل به ، لكن يشكل حينئذ بما تقدم في تارك الفاتحة متعمدا ، إلا أن [ ص: 227 ] يفرق بأن هذا شائبة شبهة لاشتغاله بصورة سنة ، بخلاف ما مر وبما يأتي في المسبوق أن سبب عدم عذره اشتغاله بسنة عن فرض .

                                                                                                                            وقد يفرق بأن الإمام يتحمل عن المسبوق ، فاحتيط له بأن لا يكون صرف شيئا لغير الفرض .

                                                                                                                            وأما الموافق فلا يتحمل عنه فعذر للتخلف لإتمام الفاتحة وإن عد مقصرا بصرفه بعض الزمن لغيرها إذ تقصيره باعتبار ظنه دون الواقع .

                                                                                                                            والحاصل مما يؤخذ من كلامهم إدارتنا الأمر على الواقع بالنسبة للعذر وعدمه وعلى ظنه بالنسبة لندب الإتيان بنحو التعوذ ( هذا كله في ) المأموم ( الموافق ) وهو من أدرك مع الإمام محل قراءة الفاتحة المعتدلة لا بالنسبة لنفسه ولا لقراءة إمامه فيما يظهر ، وإن رجح الزركشي اعتبار قراءة نفسه ، وقول بعض الشراح : هو من أحرم مع الإمام مردود ، إذ أحكام الموافق والمسبوق جارية في جميع الركعات ، بدليل أن الساعي على ترتيب نفسه ونحوه كبطيء النهضة إذا فرغ من سعيه على ترتيب نفسه ، فإن أدرك مع الإمام زمنا يسع الفاتحة كان موافقا وإلا فمسبوق ، وهل يلحق به في سائر أحكامه من شك هل أدرك زمنا يسع الفاتحة لأن الأصل وجوبها في كل ركعة حتى يتحقق مسقطها وعدم تحمل الإمام لشيء منها ، ولأن إدراك المسبوق الركعة رخصة فلا تحصل مع الشك في السبب المقتضي له ، ولأن التخلف لقراءتها أقرب إلى الاحتياط من ترك كمالها ، وحينئذ فيتأخر ويتم الفاتحة ويدرك الركعة ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان طويلة ، فإن سبق به تابعه فيما هو فيه ثم يأتي بركعة بعد سلامه ، في ذلك تردد للمتأخرين والمعتمد كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، نعم لما مر وسواء في ذلك أكان إحرامه عقب إحرام إمامه أم عقب قيامه من ركعته أم لا خلافا لبعض المتأخرين .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : والإمام حينئذ في الركوع بطلت صلاته ) أي بأن تخلف للقراءة فلم يكملها حتى قام الإمام عن السجود ولم يقصد موافقته في القيام حتى ركع فقد تحقق سبقه بأربعة أركان ، وقضية هذا أنه لو لم يقصد متابعته فيما هو فيه عقب القيام لا يضر . وقال عميرة عند قول المصنف يتبعه : أي فلو تخلف أدنى تخلف بطلت نظرا لما مضى من التخلف وإن كان معذورا ، هذا ما ظهر لي من كلامهم فليتأمل ا هـ .

                                                                                                                            وهو مخالف كما ترى لما اقتضاه كلام الشارح ، لكنه قد يوافقه قول الشارح بعد : بأن انتهى إلى الرابع كأن ركع والمأموم في الاعتدال إلخ ( قوله : كأن ركع ) أي ركوع الركعة الثانية ، وكتب سم على حج قوله كأن ركع إلخ . أقول : إذا قعد وهو في القيام فقعد معه كما هو الواجب عليه ثم قام إلى الركعة الأخرى فهل يبني على ما قرأه من الفاتحة في الركعة السابقة ؟ الوجه أنه لا يجوز البناء لانقطاع قراءته بمفارقة ذلك القيام إلى قيام آخر من ركعة أخرى ، بخلاف ما لو سجد لتلاوة في أثناء الفاتحة كأن تابع إمامه فيها برجوعه بعد السجود إلى قيام تلك الركعة بعينه .

                                                                                                                            وأما مسألة ما لو قام : أي الإمام ، وهو : أي المأموم في القيام فلا يبعد حينئذ بناؤه على قراءته لعدم مفارقته حينئذ قيامه فليتأمل ا هـ .

                                                                                                                            وخالفه في حاشية شرح المنهج واعتمد البناء في المسألتين ونقله عن ابن العماد في القول التام في أحكام المأموم والإمام . أقول : وهذا هو الأقرب والقلب إليه أميل .

                                                                                                                            ( قوله : والمأموم في الاعتدال ) أي اعتدال الركعة الأولى مثلا ( قوله : أو قعد ) أي للتشهد الأول .

                                                                                                                            ( قوله : فيأتي فيه ما مر ) أي من اعتبار ثلاثة أركان طويلة له .

                                                                                                                            ( قوله : وإن لم يندب في حقه إلخ ) معتمد .

                                                                                                                            ( قوله : لكن يشكل حينئذ بما تقدم ) أي في مفهوم قوله أو سها عنها حتى إلخ كما تقدم .

                                                                                                                            [ ص: 227 ] قوله : وقول بعض الشراح هو ) أي الموافق .

                                                                                                                            ( قوله : إذ أحكام الموافق إلخ ) يمكن الجواب بأن من عبر بذلك أراد الموافق الحقيقي ، فإن ما ذكره من بطيء النهضة ونحوه مسبوق حكما .

                                                                                                                            ( قوله : وإلا فمسبوق ) أي فيركع معه وتحسب له الركعة ، ومن ذلك ما يقع لكثير من الأئمة أنهم يسرعون القراءة فلا يمكن المأموم بعد قيامه من السجود قراءة الفاتحة بتمامها قبل ركوع الإمام فيركع معه وتحسب له الركعة ولو وقع له ذلك في جميع الركعات ، فلو تخلف لإتمام الفاتحة حتى رفع الإمام رأسه من الركوع أو ركع معه ولم يطمئن قبل ارتفاعه عن أقل الركوع فاتته الركعة فيتبع الإمام فيما هو فيه ويأتي بركعة بعد سلام الإمام .

                                                                                                                            ( قوله : وهل يلحق به ) أي الموافق . ( قوله نعم ) أي فيكون كالموافق فيغتفر له ثلاثة أركان طويلة وقوله لما مر أي من قوله فيتأخر إلخ



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : فلو كان السبق بأربعة أركان والإمام في الخامس ) أي بأن لم يقصد موافقة الإمام في القيام الذي صار إليه فيه ، واستمر على ترتيب نفسه كما نبه عليه الشيخ في الحاشية ، وقضيته أنه لا بد من قصد المتابعة ، وهو أحد احتمالات ثلاث أبداها الشهاب سم في حاشية المنهج . والثاني أنه يشترط أن لا يقصد البقاء على نظم نفسه .

                                                                                                                            والثالث وهو الذي استظهره أنه لا يشترط شيء من ذلك بل يكفي وجوب التبعية بالفعل ، وقول الشارح الآتي قريبا : وإذا تبعه فركع قبل أن يتم الفاتحة تخلف لإتمامها يؤيد ما قاله شيخنا ، إلا أن يقال : إنه لا يقتضي وجوب القصد ، وإنما غاية ما فيه أنه إذا قصد كان حكمه ما ذكر ، وما استظهرهابن قاسم يلزم منه ضعف حكم البلقيني بالبطلان في الصورة التي ذكرها فتأمل ( قوله : وإذا تبعه ) أي بالقصد كما علم مما مر ( قوله : وقد علم مما تقرر أن المراد بفراغه ) انظر ما الداعي لذكر هذا هنا [ ص: 227 ] قوله : وبما يأتي ) معطوف على قوله بما تقدم ( قوله : باعتبار ظنه دون الواقع ) قال الشهاب سم في حواشي التحفة : فيه نظر ظاهر إذ لا معنى للتقصير في الواقع إلا كون مقتضى الواقع أن لا يشتغل بغير الفاتحة ، وهنا كذلك لكون ما أدركه لا يسع في الواقع غير الفاتحة فليتأمل انتهى . ( قوله : إذ أحكام الموافق والمسبوق جارية في جميع الركعات ) فيه أنه لا يلزم من جريان أحكامهما في جميع الركعات أنهما يسميان كذلك حقيقة في غير الركعة الأولى .




                                                                                                                            الخدمات العلمية