الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سورة القصص وهي ثمان وثمانون آية ، مكية [ ص: 104 ] بسم الله الرحمن الرحيم

( طسم تلك آيات الكتاب المبين نتلو عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) .

هذه السورة مكية كلها ، قاله الحسن وعطاء وعكرمة . وقال مقاتل : فيها من المدني ( الذين آتيناهم الكتاب من قبله ) إلى قوله : ( لا نبتغي الجاهلين ) . وقيل : نزلت بين مكة والجحفة . وقال ابن عباس : بالجحفة ، في خروجه - عليه السلام - للهجرة . وقال ابن سلام : نزل ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) بالجحفة ، وقت الهجرة إلى المدينة . ومناسبة أول هذه السورة لآخر السورة قبلها أنه أمره - تعالى - بحمده ، ثم قال : ( سيريكم آياته ) .

وكان مما فسر به آياته - تعالى - معجزات الرسول ، وأنه أضافها - تعالى - إليه ، إذ كان هو المخبر بها على قدمه ، فقال : ( تلك آيات الكتاب ) إذ كان الكتاب هو أعظم المعجزات وأكبر الآيات البينات ، والظاهر أن الكتاب هو القرآن ، وقيل : اللوح المحفوظ . ( نتلو ) أي نقرأ عليك بقراءة جبريل ، أو نقص . ومفعول نتلو " من نبأ " : أي بعض نبأ ، وبالحق متعلق بـ " نتلو " ، أي محقين ، أو في موضع الحال من نبأ ، أي متلبسا بالحق ، وخص المؤمنين ؛ لأنهم هم المنتفعون بالتلاوة . ( علا في الأرض ) أي تجبر واستكبر حتى ادعى الربوبية والإلهية . والأرض : أرض مصر ، والشيع : الفرق . ملك القبط واستعبد بني إسرائيل ، أي يشيعونه على ما يريد ، أو يشيع بعضهم بعضا في طاعته ، أو ناسا في بناء وناسا في حفر ، وغير ذلك من الحرف الممتهنة . ومن لم يستخدمه ، ضرب عليه الجزية ، أو أغرى بعضهم ببعض ليكونوا له أطوع ، والطائفة المستضعفة بنو إسرائيل . والظاهر أن ( يستضعف ) استئناف يبين حال بعض الشيع ، ويجوز أن يكون حالا من ضمير " وجعل " وأن تكون صفة لـ " شيعا " ، ويذبح تبيين للاستضعاف ، وتفسير أو في موضع الحال من ضمير يستضعف ، أو في موضع الصفة لطائفة . وقرأ الجمهور : يذبح ، مضعفا ؛ وأبو حيوة ، وابن محيصن : بفتح الياء وسكون الذال .

( إنه كان من المفسدين ) علة لتجبره ولتذبيح الأبناء ؛ إذ ليس في ذلك إلا مجرد الفساد . ( ونريد ) حكاية حال ماضية ، والجملة معطوفة على قوله : ( إن فرعون ) ؛ لأن كلتيهما تفسير للبناء ، ويضعف أن يكون حالا من الضمير في " يستضعف " ، لاحتياجه إلى إضمار مبتدأ ، أي ونحن نريد ، وهو ضعيف . وإذا كانت حالا ، فكيف يجتمع استضعاف فرعون وإرادة المنة من الله ولا يمكن الاقتران ؟ فقيل : لما كانت المنة بخلاصهم من فرعون قرينة الوقوع ، جعلت إرادة وقوعها كأنها مقارنة لاستضعافهم . و ( أن نمن ) أي بخلاصهم من فرعون وإغراقه . ( ونجعلهم أئمة ) أي مقتدى بهم في الدين والدنيا . وقال مجاهد : دعاة إلى الخير . وقال قتادة : ولاة ، كقولهم وجعلكم ملوكا . وقال الضحاك : أنبياء .

( ونجعلهم الوارثين ) أي يرثون فرعون وقومه ، [ ص: 105 ] ملكهم وما كان لهم . وعن علي الوارثون هم : يوسف - عليه السلام - وولده ، وعن قتادة أيضا : ورثوا أرض مصر والشام . وقرأ الجمهور : ( ونمكن ) عطفا على " نمن " . وقرأ الأعمش : " ولنمكن " ، بلام كي ، أي وأردنا ذلك لنمكن ، أو ولنمكن فعلنا ذلك . والتمكين : التوطئة في الأرض ، هي أرض مصر والشام ، بحيث ينفذ أمرهم ويتسلطون على من سواهم . وقرأ الجمهور : ( ونري ) مضارع أرينا ، ونصب ما بعده . وعبد الله ، وحمزة ، والكسائي : ويرى ، مضارع رأى ، ورفع ما بعده . ( وهامان ) وزير فرعون وأحد رجاله ، وذكر لنباهته في قومه ومحله من الكفر . ألا ترى إلى قوله له : ( يا هامان ابن لي صرحا ) ؟ ويحذرون أي زوال ملكهم وإهلاكهم على يدي مولود من بني إسرائيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية