الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
15729 [ ص: 254 ] 6939 - (16162) - (4\8) عن أوس بن أبي أوس، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي " فقالوا : يا رسول الله، وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ - يعني وقد بليت، قال : " إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء صلوات الله عليهم " .

التالي السابق


* قوله : "وفيه النفخة" : أي : الثانية .

* "الصعقة" : الصوت الهائل يفزع له الإنسان ، والمراد : النفخة الأولى ، أو صعقة موسى - عليه الصلاة والسلام - ، وعلى هذا فالنفخة تحتمل الأولى أيضا .

* "فأكثروا" : تفريع على كون الجمعة من أفضل الأيام .

* "فإن صلاتكم . . . إلخ" : تعليل للتفريع; أي : هي معروضة علي كعرض الهدايا على من أهديت إليه ، فهي من الأعمال الفاضلة المقربة لكم إلي; كما يقرب الهدية المهدي إلى المهدى إليه ، وإذا كانت بهذه المثابة ، فينبغي إكثارها في الأوقات الفاضلة; فإن العمل الصالح يزيد فضلا بواسطة فضل الوقت ، وعلى هذا لا حاجة إلى تقييد العرض بيوم الجمعة كما قيل .

* "أرمت" : - بفتح الراء - أصله : أرممت ، من أرم - بتشديد الميم - : إذا صار رميما ، فحذفوا إحدى الميمين كما في ظللت ، ولفظه إما على الخطاب ، أو الغيبة على أنه مسند إلى العظام ، ووجه السؤال أنهم فهموا عموم الخطاب في قوله : "فإن صلاتكم معروضة" للحاضرين ولمن يأتي بعده صلى الله عليه وسلم ، ورأوا أن الموت في الظاهر مانع عن السماع والعرض ، فسألوا عن كيفية العرض ، وعلى هذا فقولهم : "وقد أرمت" كناية عن الموت ، والجواب بأن الله حرم إلخ كناية عن كون الأنبياء أحياء في قبورهم ، أو بيان لما هو خرق للعادة المستمرة بطريق [ ص: 255 ] التمثيل; أي : ليجعلوه مقيسا عليه للعرض بعد الموت الذي هو خلاف العادة المستمرة ، ويحتمل أن المانع عندهم من العرض فناء البدن ، لا مجرد الموت ومفارقة الروح البدن; لجواز عود الروح إلى البدن ما دام سالما ، فأشار صلى الله عليه وسلم إلى بقاء البدن ، وهذا هو ظاهر السؤال والجواب .

بقي أن السؤال منهم على هذا الوجه يشعر بأنهم اعتقدوا أن العرض على الروح المجردة غير ممكن ، فينبغي أن يبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه يمكن ذلك ، ويمكن الجواب عنه بأن سؤالهم اقتضى أمرين : مساواة الأنبياء - عليهم السلام - وغيرهم بعد الموت ، وأن العرض على الروح المجردة غير ممكن ، والاعتقاد الأول أسوأ ، فأرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى ما يزيله ، وأخر ما يزيل الثاني إلى وقت يناسبه؟ تدريجا في التعليم ، والله تعالى أعلم .

* * *




الخدمات العلمية