الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا ( 160 ) وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما ( 161 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : فحرمنا على اليهود الذين نقضوا ميثاقهم الذي واثقوا ربهم ، وكفروا بآيات الله ، وقتلوا أنبياءهم ، وقالوا البهتان على مريم ، وفعلوا ما وصفهم الله في كتابه طيبات من المآكل وغيرها ، كانت لهم [ ص: 391 ] حلالا عقوبة لهم بظلمهم ، الذي أخبر الله عنهم في كتابه ، كما : -

10833 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم " الآية ، عوقب القوم بظلم ظلموه وبغي بغوه ، حرمت عليهم أشياء ببغيهم وبظلمهم .

وقوله : " وبصدهم عن سبيل الله كثيرا " ، يعني : وبصدهم عباد الله عن دينه وسبله التي شرعها لعباده ، صدا كثيرا . وكان صدهم عن سبيل الله : بقولهم على الله الباطل ، وادعائهم أن ذلك عن الله ، وتبديلهم كتاب الله ، وتحريف معانيه عن وجوهه . وكان من عظيم ذلك جحودهم نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وتركهم بيان ما قد علموا من أمره لمن جهل أمره من الناس .

وبنحو ذلك كان مجاهد يقول :

10834 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثني أبو عاصم قال : حدثني عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " وبصدهم عن سبيل الله كثيرا " ، قال : أنفسهم وغيرهم عن الحق .

10835 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

وقوله : " وأخذهم الربا " ، وهو أخذهم ما أفضلوا على رءوس أموالهم ، لفضل تأخير في الأجل بعد محلها ، وقد بينت معنى"الربا" فيما مضى قبل ، بما أغنى عن إعادته .

[ ص: 392 ]

"وقد نهوا عنه" يعني : عن أخذ الربا .

وقوله : " وأكلهم أموال الناس بالباطل " ، يعني ما كانوا يأخذون من الرشى على الحكم ، كما وصفهم الله به في قوله : ( وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون ) [ سورة المائدة : 62 ] . وكان من أكلهم أموال الناس بالباطل ، ما كانوا يأخذون من أثمان الكتب التي كانوا يكتبونها بأيديهم ، ثم يقولون : "هذا من عند الله" ، وما أشبه ذلك من المآكل الخسيسة الخبيثة . فعاقبهم الله على جميع ذلك ، بتحريمه ما حرم عليهم من الطيبات التي كانت لهم حلالا قبل ذلك .

وإنما وصفهم الله بأنهم أكلوا ما أكلوا من أموال الناس كذلك بالباطل ، لأنهم أكلوه بغير استحقاق ، وأخذوا أموالهم منهم بغير استيجاب .

وقوله : " وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما " ، يعني : وجعلنا للكافرين بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم من هؤلاء اليهود ، العذاب الأليم وهو الموجع من عذاب جهنم عنده ، يصلونها في الآخرة ، إذا وردوا على ربهم ، فيعاقبهم بها .

التالي السابق


الخدمات العلمية