الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                القاعدة الخامسة عشرة " هل العبرة بالحال أو بالمآل ؟ " فيه خلاف ، والترجيح مختلف ، ويعبر عن هذه القاعدة بعبارات :

                منها : ما قارب الشيء ، هل يعطى حكمه ؟

                والمشرف على الزوال ، هل يعطى حكم الزائل ؟

                والمتوقع ، هل يجعل كالواقع ؟

                وفيها فروع : منها : إذا حلف ليأكلن هذا الرغيف غدا ، فأتلفه قبل الغد ، فهل يحنث في الحال أو حتى يجيء الغد ؟ وجهان ، أصحهما : الثاني .

                ومنها : لو كان القميص ، بحيث تظهر منه العورة عند الركوع ، ولا تظهر عند القيام فهل تنعقد صلاته ثم إذا ركع تبطل ، أو لا تنعقد أصلا ؟ وجهان ، أصحهما : الأول .

                ونظيرها : لو لم يبق من مدة الخف ما يسع الصلاة ، فأحرم بها ، فهل تنعقد ؟ فيه وجهان ، الأصح : نعم .

                وفائدة الصحة في المسألتين : صحة الاقتداء به ثم مفارقته .

                وفي المسألة الأولى : صحتها إذا ألقى على عاتقه ثوبا قبل الركوع .

                قال صاحب المعين : وينبغي القطع بالصحة فيما إذا صلى على جنازة ; إذ لا ركوع فيها .

                ومنها : من عليه عشرة أيام من رمضان ، فلم يقضها حتى بقي من شعبان خمسة أيام فهل يجب فدية ما لا يسعه الوقت في الحال ، أو لا يجب ، حتى يدخل رمضان ؟ فيه وجهان وشبههما الرافعي وغيره ، بما إذا حلف ليشربن ماء هذا الكوز غدا ، فانصب قبل الغد .

                [ ص: 179 ] وقال السبكي : وفي هذا التشبيه نظر ; لأن الصحيح فيما إذا انصب بنفسه . عدم الحنث .

                ونظيره هنا : إذا لم يزل عذره إلا ذلك الوقت . ولا شك أنه لا يجب عليه شيء .

                فيجب فرض المسألة فيما إذا كان التمكن سابقا ، وحينئذ فنظيره : أن يصب هو الماء ، فإنه يحنث ، وفي وقت حنثه : الوجهان .

                قال الرافعي : الذي أورده ابن كج : أنه لا يحنث إلا عند مجيء الغد ، وعلى قياسه هنا : لا يلزم إلا بعد مجيء رمضان .

                ومنها : لو أسلم فيما يعم وجوده عند المحل ، فانقطع قبل الحلول ، فهل يتنجز حكم الانقطاع . وهو ثبوت الخيار في الحال ، أو يتأخر إلى المحل وجهان . أصحهما : الثاني

                ومنها : لو نوى في الركعة الأولى الخروج من الصلاة في الثانية ، أو علق الخروج بشيء يحتمل حصوله في الصلاة ، فهل تبطل في الحال ، أو حتى توجد الصفة ؟ وجهان . أصحهما : الأول .

                ومنها : من عليه دين مؤجل يحل قبل رجوعه ، فهل له السفر ; إذ لا مطالبة في الحال أولا ، إلا بإذن الدائن ; لأنه يجب في غيبته ؟ وجهان . أصحهما : الأول .

                ومنها : إذا استأجر امرأة أشرفت على الحيض لكنس المسجد . جاز ، وإن ظن طروءه ، وللقاضي حسين : احتمال بالمنع ، كالسن الوجيعة ، إذا احتمل زوال الألم .

                والفرق على الأصح : أن الكنس في الجملة جائز ، والأصل عدم طروء الحيض .

                ومنها : هل العبرة في مكافأة القصاص بحال الجرح ، أو الزهوق ؟

                ومنها : هل العبرة في الإقرار للوارث بكونه وارثا حال الإقرار ، أو الموت ؟ وجهان أصحهما : الثاني ، كالوصية .

                ومنها : هل العبرة بالثلث الذي يتصرف فيه المريض بحال الوصية أو الموت ؟ وجهان أصحهما : الثاني . ومقابله ، قاسه على ما لو نذر التصدق بماله .

                ومنها : هل العبرة في الصلاة المقضية بحال الأداء ، أو القضاء ؟ وجهان يأتيان في بحثه .

                ومنها ، هل العبرة في تعجيل الزكاة بحال الحول أو التعجيل .

                ؟ ومنها ، هل العبرة في الكفارة المرتبة بحال الوجوب أو الأداء ؟ قولان أصحهما : الثاني .

                ومنها : هل العبرة في طلاق السنة ، أو البدعة بحال الوقوع أو التعليق ؟ ومنها : تربية جرو الكلب لما يباح تربية الكبير له .

                [ ص: 180 ] ومنها : الجارية المبيعة ، هل يجوز وطؤها بعد الترافع إلى مجلس الحكم قبل التحالف ؟ وجهان ، أصحهما : نعم ، وبعد التحالف وجهان مرتبان ، وأولى بالمنع .

                ومنها : لو حدث في المغصوب نقص يسري إلى التلف ، بأن جعل الحنطة هريسة ، فهل هو كالتالف أو لا ؟ بل يرده مع أرش النقص ؟ قولان أصحهما : الأول .

                تنبيه :

                جزم باعتبار الحال في مسائل : منها : إذا وهب للطفل من يعتق عليه وهو معسر وجب على الولي قبوله ، لأنه لا يلزمه نفقته في الحال ، فكان قبول هذه الهبة تحصيل خير ، وهو العتق بلا ضرر ، ولا ينظر إلى ما لعله يتوقع من حصول يسار للصبي ، وإعسار لهذا القريب ; لأنه غير متحقق أنه آيل .

                وجزم باعتبار المآل في مسائل : منها : بيع الجحش الصغير جائز ، وإن لم ينتفع به حالا لتوقع النفع به مآلا .

                ومنها : جواز التيمم لمن معه ماء يحتاج إلى شربه في المآل ، لا في الحال .

                ومنها : المساقاة على ما لا يثمر في السنة ، ويثمر بعدها جائز بخلاف إجارة الجحش الصغير ; لأن موضوع الإجارة تعجيل المنفعة ، ولا كذلك المساقاة ، إذ تأخر الثمار محتمل فيها .

                كذا فرق الرافعي قال ابن السبكي : وبه يظهر لك أن المنفعة المشترطة في البيع غير المشترطة في الإجارة ، إذ تلك أعم من كونها حالا أو مآلا ، ولا كذلك الإجارة .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية