الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مطلب : فيما يقوله البادئ بالسلام وجواب المسلم عليه .

( تنبيهات ) :

( الأول ) : صفة السلام أن يقول المبتدئ : السلام عليكم ورحمة الله ويقول الراد : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وإن قال الراد : وعليك أو وعليكم فقط . وحذف المبتدأ ، فظاهر كلام الناظم في مجمع البحرين أنه يجزئ ، وكذا ظاهر كلام الشيخ . قال كما رد النبي صلى الله عليه وسلم على الأعرابي . قال في الآداب الكبرى : وصح من أبي هريرة رضي الله عنه قال { خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب وهو يصلي فقال يا أبي ، فالتفت ثم لم يجبه ، ثم صلى أي تخفف ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليك يا رسول الله ، قال وعليك ، ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك } الحديث . قال الناظم رحمه الله تعالى في مجمع البحرين : فيه دليل على جواز قول الراد للسلام وعليك بحذف المبتدأ . انتهى .

وكذا رد النبي صلى الله عليه وسلم على أبي ذر وهو في الصحيحين في فضائله ، وهذا أحد الوجهين للشافعية . وظاهر الإقناع لا يجزيه ذلك ، لأنه قال ويجزئ في الرد وعليكم السلام ، فدل بمنطوقه على الإجزاء بهذه الصيغة وبمفهومه على عدم الإجزاء بأقل منها بأن حذف المبتدأ فقال وعليكم .

ومقتضى كلام شيخ الإسلام الإجزاء لأنه قال المضمر كالمظهر إلا أن يقال إذا وصله بكلام فله الاقتصار بخلاف ما إذا سكت ولولا أن الرد الواجب يحصل به لما أجزأ الاقتصار عليه في الرد على الذمي . ومقتضى كلام ابن أبي موسى وابن عقيل وسيدنا الشيخ عبد القادر عدم الإجزاء .

قال الشيخ عبد القادر : فإن قال سلام لم يجبه ويعرفه أنه ليس بتحية الإسلام لأنه ليس بكلام تام .

قال ابن الأثير : وكانوا يستحبون تنكير الابتداء وتعريف الجواب ، وتكون الألف واللام للعهد يعني : السلام الأول . قال في الإقناع ويخير بين تعريفه وتنكيره في سلامه على الحي ، وأما السلام على الميت فمعرف السلام عليكم دار قوم مؤمنين إلى آخره .

[ ص: 281 ] الثاني ) : انتهاء السلام ابتداء وردا ( وبركاته ) ويجوز أن يزيد الابتداء على الرد كعكسه . قال ابن عقيل : وآخره ورحمة الله وبركاته ابتداء وردا ولا يستحب الزيادة عليها . قال الإمام أحمد وقد سئل عن تمام السلام فقال وبركاته . وفي الموطأ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن السلام انتهى إلى البركة .

قال القاضي : ويجزي أن يزيد الابتداء على لفظ الرد والرد على لفظ الابتداء إلا أن الانتهاء في ذلك إلى البركات خلافا لمن أوجب مساواة الرد للابتداء أو أزيد لظاهر الآية .

وأما حديث أبي داود في الزيادة على البركات حيث قال وبركاته ومغفرته فقال أربعون - وتقدم - فضعيف وخلاف المشهور . قال النووي : يستحب أن يقول المبتدئ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فيأتي بضمير الجمع وإن كان المسلم عليه واحدا ، ويقول المجيب وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته لما قدمنا في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه ، واستظهره ابن مفلح في آدابه ، وهو مقتضى كلام أبي داود ، وكذا قال الشيخ وجيه الدين من أصحابنا ، وأكمله ذكر الرحمة والبركة ابتداء وكذا الجواب ، وأقله السلام عليكم وأوسطه ذكر الرحمة .

قال في الإقناع : ويجزئ في السلام ( السلام عليكم ) ولو على منفرد ، وفي الرد وعليكم السلام . قال في الآداب الكبرى : فإن كان واحدا فينوي ملائكته حيث أتى بميم الجمع .

( الثالث ) : أوجب في الإقناع زيادة الواو في الرد بأن يقول وعليك أو وعليكم فإن أسقطها فقال في الهدي فهل يكون ردا صحيحا ؟ قالت طائفة منهم المتولي لا يكون جوابا ولا يسقط به فرض الرد ، وذهبت طائفة إلى أنه صحيح . انتهى . قال في الآداب الكبرى : وتزاد الواو في رد السلام .

وذكر الشيخ وجيه الدين في شرح الهداية أنه واجب وهو قول بعض الشافعية والأول أشهر يعني عدم وجوب زيادتها . قلت وهو المذهب ، جزم به م ص في شرح المنتهى كالمصنف وهو ظاهر المتن لما في الصحيحين أن آدم عليه السلام قال للملائكة عليهم السلام : السلام عليكم ، فقالوا له عليك السلام ورحمة الله كما تقدم ، ولأن الله سبحانه وتعالى قال { قالوا سلاما قال سلام } قال في الآداب : قيل هو مرفوع خبر مبتدأ محذوف أي قولي [ ص: 282 ] سلام ، أي جوابي أو أمري .

وقيل هو مبتدأ والخبر محذوف أي سلام عليكم ، وأما النصب في الأول فقيل مفعول به محمول على المعنى كأنه قال ذكروا سلاما وقيل هو مصدر أي سلموا سلاما ، وكره أن يقول سلام الله عليكم لأنه إخبار عن الله عز وجل بالتسليم وهو كذب وفيه أنه إنشاء كقولك صلى الله على محمد بل الأولى أن علة الكراهة عدم الإتيان بالسلام على الوجه المعروف المشهور كما في الآداب .

التالي السابق


الخدمات العلمية