الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال هذا صراط علي مستقيم

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " فإذا سويته " أي : عدلت صورته ، وأتممت خلقته " ونفخت فيه من روحي " هذه الروح هي التي يحيا بها الإنسان ، ولا تعلم ماهيتها، وإنما أضافها إليه ، تشريفا لآدم ، وهذه إضافة ملك . وإنما سمي إجراء الروح فيه نفخا ، لأنها جرت في بدنه على مثل جري الريح فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " فقعوا " أمر من الوقوع . وقوله : " كلهم أجمعون " قال فيه سيبويه والخليل : هو توكيد بعد توكيد . وقال المبرد: " أجمعون " يدل على اجتماعهم في السجود ، فالمعنى : سجدوا كلهم في حالة واحدة . قال ابن الأنباري : [ ص: 401 ] وهذا ، لأن " كلا " تدل على اجتماع القوم في الفعل ، ولا تدل على اجتماعهم في الزمان . قال الزجاج : وقول سيبويه أجود ، لأن " أجمعين " معرفة ، ولا تكون حالا

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وإن عليك اللعنة " قال المفسرون : معناه : يلعنك أهل السماء والأرض إلى يوم الحساب . قال ابن الأنباري : وإنما قال : " إلى يوم الدين " لأنه يوم له أول وليس له آخر ، فجرى مجرى الأبد الذي لا يفنى ، والمعنى : عليك اللعنة أبدا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " إلى يوم الوقت المعلوم " يعني : المعلوم بموت الخلائق فيه ، فأراد أن يذيقه ألم الموت قبل أن يذيقه العذاب الدائم في جهنم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " لأزينن لهم في الأرض " مفعول التزيين محذوف ، والمعنى : لأزينن لهم الباطل حتى يقعوا فيه . " ولأغوينهم " أي : ولأضلنهم . والمخلصون : الذين أخلصوا دينهم لله عن كل شائبة تناقض الإخلاص . وما أخللنا به من الكلمات هاهنا فقد سبق تفسيرها في (الأعراف :16) وغيرها .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " قال هذا صراط علي مستقيم " اختلوا في معنى هذا الكلام على ثلاثة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أنه يعني بقوله هذا : الإخلاص ، فالمعنى : إن الإخلاص طريق إلي مستقيم ، و " علي " بمعنى " إلي " .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : هذا طريق علي جوازه ، لأني بالمرصاد ، فأجازيهم بأعمالهم ; وهو خارج مخرج الوعيد ، كما تقول للرجل تخاصمه : طريقك علي ، فهو كقوله : إن ربك لبالمرصاد [الفجر :14] .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : هذا صراط علي استقامته ، أي : أنا ضامن لاستقامته بالبيان [ ص: 402 ] والبرهان . وقرأ قتادة ، ويعقوب : " هذا صراط علي " بكسر اللام ورفع الياء وتنوينها ، أي : رفيع .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية