الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم اعترض ابن رشد على الوجهين اللذين ذكرهما أبو حامد، فقال على الوجه الأول، وأنه يلزمهم على مساق مذهبهم أن يكون المبدع جسما قديما لا علة له، وأنهم لم يبطلوا ذلك إلا بقولهم في التوحيد ونفي الصفات، وقد أبطله أبو حامد. [ ص: 166 ]

قال ابن رشد: (يريد أنهم إذا لم يقدروا على نفي الصفات، كان ذلك الأول عندهم ذاتا بصفات، وما كان على هذه الصفة فهو جسم، أو قوة في جسم، ولزمهم أن يكون الأول الذي لا علة له الأجرام السماوية) .

قال ابن رشد: (وهذا القول لازم لمن يقول بالقول الذي حكاه عن الفلاسفة - يعني طريقة ابن سينا والفلاسفة - يعني الأوائل - لا يحتجون على وجود الأول الذي لا علة له، بما نسبه إليهم من الاحتجاج، ولا يزعمون أيضا أنهم يعجزون عن دليل التوحيد، ولا عن دليل نفي الجسمية عن المبدأ الأول. وستأتي هذه المسألة فيما بعد) .

قلت: ابن رشد لما رأى ضعف الطريقة المنسوبة إلى الفلاسفة في كتب ابن سينا، في نفي الصفات ونفي التجسيم. وأنها ليست طريقة [ ص: 167 ] أوليهم، بنى نفي الصفات ونفي التجسيم تارة على إثبات النفس، وأنها ليست بجسم، واستدل بأضعف من دليلهم، وتارة يستدل بطريقة كلامية لفظية، وهي أن المركب لا بد له من مركب، والمؤلف لا بد له من مؤلف. وهذا إنما يكون إذا أطلق هذا اللفظ على مسماه، باعتبار أن هناك مؤلفا فعل التأليف، ومركبا فعل التركيب.

ومن لا يطلق هذا اللفظ بحال، أو أراد به ما فيه اجتماع، وقال: إن ذلك واجب بنفسه، لم يكن مثل هذا الكلام حجة عليه، وهذا مبسوط في موضعه.

المقصود تبيين ما أخذه ابن سينا عن أسلافه، وما أخذه عن المتكلمين، وكيف خلط أحدهما بالآخر.

قال ابن رشد: (قول أبي حامد: ولكن لعلتها علة، ولعلة العلة علة، وهكذا إلى غير نهاية، إلى قوله: وكل مسلك ذكرتموه في النظر يبطل عليكم بتجويز دورات لا أول لها، شك تقدم الجواب عنه، حين قلنا: إن الفلاسفة لا تجوز عللا ومعلولات لا نهاية [ ص: 168 ] لها، لأنه يؤدي إلى معلول لا علة له، ويوجبونها بالعرض من قبل علة قديمة، لكن لا إذا كانت مستقيمة ومعا وفي مواد لا نهاية لها، بل إذا كانت دورا) .

التالي السابق


الخدمات العلمية