الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر قتل الخجستاني

لما كان الخجستاني بطخارستان وافاه خبر أخذ والدته من نيسابور ، وسار مجدا ، [ ص: 343 ] فلما قارب هراة أتاه غلام لأبي طلحة ، يعرف بينال ده هزار ، مستأمنا ، فأتاه خبره قبل وصوله ، وكان للخجستاني غلام اسمه رامجور على خزائنه ، فقال له كالممازح له : إنه سيدك ينال ده هزار قد استأمن إلي ، كما علمت ، فانظر كيف يكون برك به ، فحقدها عليه رامجور ، وخاف أن يقدم ذلك الغلام عليه ، ويطلب الفرصة ليقتله .

وكان لأحمد غلام [ يدعى ] قتلغ ، وهو على شرابه ، فسقاه يوما ، فرأى في الكوز شيئا ، فأمر به فقلعت إحدى عينيه ، فتواطأ قتلغ ورامجور على قتله ، فشرب يوما بنيسابور عند وصوله من طايكان ، فسكر ونام ، فتفرق عنه أصحابه ، فقتله رامجور ، وقتلغ ، وكان قتله في شوال سنة ثمان وستين ومائتين ، وأخذ رامجور خاتمه فأرسله إلى الإصطبل يأمرهم بإسراج عدة دواب ، ففعلوا ، فسير عليها جماعة إلى أبي طلحة وهو بجرجان يعلمه الحال ، ويأمره بالقدوم ، ثم أغلق رامجور الباب على أحمد ، واختفى .

وبكر القواد إلى باب أحمد ، فوجدوا باب حجرته مغلقا ، فانتظروه ساعة طويلة ، فرابهم الأمر ، ففتحوا الباب فرأوه مقتولا ، فبحثوا عن الحال ، وأخبرهم صاحب الإصطبل خبر رامجور في إنفاذ الخاتم ، فطلبوه فلم يجدوه ، ثم وجدوه بعد مدة .

وكان سبب اطلاعهم عليه أن صبيا من أهل تلك الدار التي هو بها طلب نارا ، فقيل له : ما تعملون بالنار في اليوم الحار ؟ فقيل : نتخذ طعاما للقائد ، قيل : ومن القائد ؟ قال : رامجور ، فأنهوا خبره إلى بعض القواد ، فأخذوه ، وقتلوه .

واجتمع أصحاب أحمد بعد قتله على رافع بن هرثمة .

وسنذكر أخبار رافع سنة ثمان وستين ومائتين .

وكان أحمد بن عبد الله ، لما عاد من طايكان بعد قتل والدته ، نصب رمحا طويلا في صحن داره وقال : يحتاج أهل نيسابور أن يضعوا الدر حتى يغمروا هذا الرمح ، فخافوا منه ، واستخفى جمع من الرؤساء والتجار ، وفزع الناس إلى الدعاء ، وسألوا أبا عثمان ، وغيره من أصحاب أبي حفص الزاهد أن يتضرعوا إلى الله تعالى ليفرج عنهم ، وفعلوا ، فتداركهم الله برحمته ، فقتل تلك الليلة ، وفرج الله عنهم .

[ ص: 344 ] وكان أحمد كريما ، جوادا ، شجاعا ، حسن العشرة ، كثير البر لإخوانه الذين صحبوه قبل إمارته ، والإحسان إليهم ، ولم يتغير لهم عما كان يفعله من التواضع والآداب .

التالي السابق


الخدمات العلمية