الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      جرير بن عبد الحميد ( ع )

                                                                                      ابن يزيد الإمام الحافظ القاضي أبو عبد الله الضبي الكوفي . نزل الري ، ونشر بها العلم ، ويقال : مولده بأعمال أصبهان ، ونشأ بالكوفة .

                                                                                      قال محمد بن حميد عن جرير : ولدت سنة مات الحسن : سنة عشر . [ ص: 10 ]

                                                                                      حدث عن : عبد الملك بن عمير ، وبيان بن بشر ، وعبد العزيز بن رفيع ، ومغيرة بن مقسم ، ومطرف بن طريف ، والعلاء بن المسيب ، وثعلبة بن سهيل ، وعاصم الأحول ، وسليمان التيمي ، وهشام بن عروة ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وإبراهيم بن محمد بن المنتشر ، ورقبة بن مصقلة ، وعطاء بن السائب ، وليث بن أبي سليم ، وأبي إسحاق الشيباني ، وسليمان الأعمش ، وأبي حيان التيمي ، وإسماعيل بن أبي خالد ، وموسى بن أبي عائشة ، ويزيد بن أبي زياد ، ومنصور بن المعتمر ، وقابوس بن أبي ظبيان ، والمختار بن فلفل ، وخلق كثير .

                                                                                      وينزل إلى ابن إسحاق ومالك ، وكان من مشايخ الإسلام .

                                                                                      حدث عنه : ابن المبارك ، ومحمد بن عيسى بن الطباع ، ويحيى بن يحيى ، وقتيبة ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وعلي بن المديني ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وإسحاق بن راهويه ، وإبراهيم بن موسى الفراء ، وأبو خيثمة ، وإسحاق بن موسى الخطمي ، وزياد بن أيوب ، وعبد الله بن محمد الأذرمي وسفيان بن وكيع ، وعلي بن حجر ، ومحمد بن عمرو زنيج ، ومحمد بن قدامة بن أعين ، ويحيى بن أكثم ، ويعقوب الدورقي ، ويوسف بن موسى ، وعمرو بن رافع ، وعثمان بن أبي شيبة ، ومحمد بن قدامة الطوسي ، ومحمد بن قدامة بن إسماعيل السلمي البخاري ، وخلق كثير .

                                                                                      وقد نسبه عيسى بن سليمان الوراق ، عن يوسف بن موسى ، [ ص: 11 ] فقال : جرير بن عبد الحميد بن جرير بن قرط بن هلال بن أبي قيس بن وحف بن عبد بن غنم بن عبد الله بن بكر بن سعد بن ضبة بن أد . قال : وعاش سبعا وسبعين سنة .

                                                                                      قال ابن سعد : كان ثقة كثير العلم ، يرحل إليه .

                                                                                      وقال ابن عمار : هو حجة ، كانت كتبه صحاحا ، وما كان زيه زي محدث ، فإذا حدث . . . أي : كان يشبه العلماء .

                                                                                      وقال زنيج سمعت جريرا يقول : رأيت ابن أبي نجيح ، ولم أكتب عنه شيئا ، ورأيت جابرا الجعفي فلم أكتب عنه شيئا ، ورأيت ابن جريج ولم أكتب عنه ، فقال له رجل : ضيعت يا أبا عبد الله ، قال : لا ، أما جابر ، فكان يؤمن بالرجعة ، وأما ابن أبي نجيح ، فكان يرى القدر ، وأما ابن جريج ، فإنه أوصى بنيه بستين امرأة ، وقال : لا تزوجوا بهن ، فإنهن أمهاتكم - كان يرى المتعة .

                                                                                      قلت : أما امتناعه من الجعفي ، فمعذور ؛ لأنه كان مبتدعا ، ولم [ ص: 12 ] يكن بالثقة . وأما الآخران ففرط فيهما ، وهما من أئمة العلم وإن غلطا في اجتهادهما .

                                                                                      قال سليمان بن حرب : كان جرير بن عبد الحميد ، وأبو عوانة متشابهان في رأي العين ، ما كانا يصلحان إلا أن يكونا راعيي غنم ، وقد كتبت عن جرير بمكة .

                                                                                      يعقوب بن شيبة : سمعت أبا الوليد الطيالسي قال : قدمت الري بعقب موت شعبة ، ومعي أبو داود ، وحملت معي أصل كتابي عن شعبة ، قال : فكان جرير يجالسنا عند تاجر ، فسمعنا نذكر الحديث ، قال : فيعجب بالحديث إعجاب رجل سمع العلم وليس له حفظ ، فسمعني أذكر عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة حديث صفوان بن عسال أو حديث : إنكما علجان ، فعالجا عن [ ص: 13 ] دينكما فقال : اكتبه لي ، فكتبته له ، وحدثته به . قال : وتحدثت بحديث فضالة بن عبيد : حديث القلادة قال : فاستحسنه ، وقال : [ ص: 14 ] اكتبه لي ، فكتبته له ، وحدثته به عن ليث بن سعد ، فقال لي : قد كتبت عن منصور ومغيرة ، وجعل يذكر الشيوخ . فقلت له : حدثنا ، فقال : لست أحفظ ، كتبي غائبة عني ، وأنا أرجو أن أوتى بها ، قد كتبت في ذلك ، فبينا نحن كذلك ، إذ ذكر يوما شيئا من الحديث ، فقلت : أحسب أن كتبك قد جاءت ، قال : أجل ، فقلت لأبي داود : جليسنا جاءته كتبه من الكوفة ، اذهب بنا ننظر فيها . قال : فأتيناه ، فنظرنا في كتبه .

                                                                                      وقال إبراهيم بن هاشم : ما قال لنا جرير قط ببغداد : حدثنا ، ولا في كلمة واحدة ، فقلت : تراه لا يغلط مرة ، فكان ربما نعس ، فنام ، ثم ينتبه ، فيقرأ من الموضع الذي انتهى إليه .

                                                                                      ونزل ببغداد على ابن المسيب ، فلما عبر إلى الجانب الشرقي ، جاء المد ، فقلت لأحمد بن حنبل : تعبر ؟ فقال : أمي لا تدعني ، فعبرت أنا ، فلزمته ، ولم يكن السندي يدع أحدا يعبر - يعني لكثرة المد - فلبثت عنده عشرين يوما ، فكتبت عنه ألفا وخمسمائة حديث ، وكتبت عنه قبل أن يخرج إلى مكة حديثا بالسفينتين على دابته .

                                                                                      يعقوب السدوسي : سمعت علي بن المديني يقول : كان جرير بن عبد الحميد صاحب ليل ، وكان له رسن ، يقولون : إذا أعيى تعلق به - يريد أنه كان يصلي . [ ص: 15 ] ثم قال يعقوب : ذكر لأبي خيثمة إرسال جرير للحديث ، وأنه لم يكن يقول : حدثنا ، وقيل له : تراه كان يدلس ؟ . فقال أبو خيثمة : لم يكن يدلس ؛ لأنا كنا إذا أتيناه وهو في حديث الأعمش أو منصور أو مغيرة ، ابتدأ ، فأخذ الكتاب ، فقال : حدثنا فلان ، ثم يحدث عنه منهم في حديث واحد ، ثم يقول بعد : منصور منصور ، أو الأعمش الأعمش لا يقول في كل حديث : حدثنا حتى يفرغ المجلس .

                                                                                      قال يعقوب : وحدثنا عبد الرحمن بن محمد ، سمعت سليمان الشاذكوني يقول : قدمت على جرير ، فأعجب بحفظي ، وكان لي مكرما ، قال : فقدم يحيى بن معين والبغداديون الذين معه ، وأنا ثم ، فرأوا موضعي منه ، فقال له بعضهم : إن هذا إنما بعثه يحيى القطان وعبد الرحمن ليفسد حديثك عليك ، ويتبع عليك الأحاديث ، وكان قد حدثنا عن مغيرة ، عن إبراهيم . قال : فبينا أنا عند ابن أخيه يوما ، إذ رأيت على ظهر كتاب لابن أخيه ، عن ابن المبارك ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم . قال : فقلت لابن أخيه : عمك هذا مرة يحدث بهذا عن مغيرة ، ومرة عن سفيان ، عن مغيرة ، ومرة عن ابن المبارك ، عن سفيان ، عن مغيرة ، فينبغي أن تسأله ممن سمعه - وكان هذا الحديث موضوعا - قال : فوقفت جريرا عليه ، فقلت له : حديث طلاق الأخرس ، ممن سمعته ؟ قال : حدثنيه رجل من خراسان ، عن ابن المبارك . قلت : فقد رويته مرة عن مغيرة ، ومرة عن سفيان عن مغيرة ، ومرة عن رجل عن ابن المبارك ، عن سفيان ، عن مغيرة ، ولست أراك تقف على شيء ، فمن الرجل ؟ قال : رجل من أصحاب الحديث [ ص: 16 ] جاءنا ، قال : فوثبوا بي ، وقالوا : ألم نقل لك : إنما جاء ليفسد عليك حديثك ، قال : فوثب بي البغداديون ، وتعصب لي قوم من أهل الري ، حتى كان بينهم شر شديد .

                                                                                      قال عبد الرحمن بن محمد : فقلت لعثمان بن أبي شيبة : حديث طلاق الأخرس عمن هو عندك ؟ قال : عن جرير ، عن مغيرة قوله .

                                                                                      وقال عبد الرحمن : وكان عثمان يقول لأصحابنا : إنما كتبنا عن جرير من كتبه ، فأتيته ، فقلت : يا أبا الحسن كتبتم عن جرير من كتبه ؟ قال : فمن أين ؟ ! وجعل يروغ ، قلت له : من أصوله أو من نسخ ؟ فجعل يحيد ، ويقول : من كتب فقلت : نعم كتبتم على الأمانة من النسخ ، فقال : كان أمره على الصدق ، إنما حدثنا أصحابنا أن جريرا قال لهم حين قدموا عليه - وكانت كتبه تلفت : هذه نسخة أحدث بها على الأمانة ، ولست أدري لعل لفظا يخالف لفظا وإنما هي على الأمانة .

                                                                                      عباس ، عن يحيى : سمعت ابن عيينة يقول : قال لي ابن شبرمة : عجبا لهذا الرازي ! عرضت عليه أن أجري عليه مائة درهم في الشهر من الصدقة ، فقال : يأخذ المسلمون كلهم مثل هذا ؟ قلت : لا ، قال : فلا حاجة لي فيها . ثم قال يحيى : وسمعت جريرا يقول : عرضت علي بالكوفة ألفا درهم يعطوني مع القراء ، فأبيت ، ثم جئت اليوم أطلب ما عندهم ، أو ما في أيديهم ! .

                                                                                      قلت : يزري بذلك على نفسه . [ ص: 17 ]

                                                                                      الحميدي ، عن سفيان : رأيت جريرا يقود مغيرة ، فقلت لعمر بن سعيد : من هذا الشاب ؟ قال لي عمر : هذا شاب لا بأس به .

                                                                                      قال حنبل : سئل أبو عبد الله : من أحب إليك شريك أو جرير ؟ فقال : جرير أقل سقطا ، شريك كان يخطئ .

                                                                                      عثمان بن سعيد : قلت ليحيى : جرير أحب إليك في منصور أو شريك ؟ قال : جرير أعلم به .

                                                                                      وقال أحمد العجلي : جرير كوفي ثقة ، نزل الري ، وكان رباح إذا أتاه الرجل يقول : أريد أن أكتب حديث الكوفة ، قال : عليك بجرير ، فإن أخطأك ، فعليك بمحمد بن فضيل .

                                                                                      وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن الأحوص وجرير في حديث حصين ، فقال : كان جرير أكيس الرجلين ، جرير أحب إلي . قلت : يحتج بحديثه ؟ قال : نعم ، جرير ثقة ، وهو أحب إلي في هشام بن عروة من يونس بن بكير .

                                                                                      وقال النسائي : ثقة .

                                                                                      وقال ابن خراش : صدوق .

                                                                                      وقال أبو القاسم اللكائي : مجمع على ثقته .

                                                                                      قد ذكر أنه قال : ولدت سنة عشر وأما حنبل بن إسحاق ، فقال : حدثني أبو عبد الله قال : ولد جرير سنة سبع ومائة

                                                                                      قلت : وفي سنة سبع ولد سفيان بن عيينة ، لكن سفيان بكر قبل جرير بالطلب ، فلقي زياد بن علاقة ، وعمرو بن دينار ، والكبار بالكوفة والحرمين . [ ص: 18 ]

                                                                                      وقال يوسف بن موسى القطان : مات جرير عشية الأربعاء ليوم خلا من جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين ومائة قال : وهو ابن ثمان وسبعين سنة إلى التسع والسبعين ، وصلى عليه ابنه عبد الله .

                                                                                      قلت : وفيها أرخه غير واحد .

                                                                                      أخبرنا عمر بن عبد المنعم ، أخبرنا عبد الصمد بن محمد - وأنا في الرابعة - أخبرنا علي بن المسلم ، أخبرنا الحسين بن طلاب ، أخبرنا محمد بن أحمد بن جميع ، أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الحكم البزاز بكفربيا ، حدثنا محمد بن قدامة ، حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن المختار بن فلفل ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنا أول من يشفع في الجنة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعا .

                                                                                      تابعه زائدة بن قدامة ، أخرجه مسلم من طريقهما ، فوقع لنا عاليا .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية