الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت ) : نزلت في اليهود . قالوا : ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية ؟ قال الكلبي : لما دخل يعقوب مصر رآهم يعبدون الأوثان والنيرين ، فجمع بنيه وخاف عليهم ذلك ، فقال لهم : ما تعبدون من بعدي ؟ فأنزل الله هذه الآية إعلاما لنبيه بما وصى به يعقوب ، وتكذيبا لليهود . وأم هنا منقطعة ، تتضمن معنى " بل " وهمزة الاستفهام الدالة على الإنكار ، والتقدير : بل أكنتم شهداء ؟ فمعنى الإضراب : الانتقال من شيء إلى شيء ، لا أن ذلك إبطال لما قبله . ومعنى الاستفهام هنا : التقريع والتوبيخ ، وهو في معنى النفي ، أي ما كنتم شهداء ، فكيف تنسبون إليه ما لا تعلمون ؟ ولا شهدتموه أنتم ولا أسلافكم . وقيل : أم هنا بمعنى : بل ، والمعنى بل كنتم ، أي كان أسلافكم ، أو أنزلهم منزلة أسلافهم ، إذ كان [ ص: 401 ] أسلافهم قد نقلوا ذلك إليهم ، وفي إثبات ذلك إنكار عليهم ما نسبوه إلى يعقوب من اليهودية . والخطاب في كنتم لمن كان بحضرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحبار اليهود والنصارى ورؤسائهم . وقال ابن عطية : قال لهم على جهة التقرير والتوبيخ : أشهدتم يعقوب وعلمتم بما أوصى ، فتدعون عن علم ، أي لم تشهدوا ، بل أنتم تفترون . وأم تكون بمعنى ألف الاستفهام في صدر الكلام ، لغة يمانية . انتهى ما ذكره . ولم أقف لأحد من النحويين على أن أم يستفهم بها في صدر الكلام . وأين ذلك ؟ وإذا صح النقل فلا مدفع فيه ولا مطعن . وحكى الطبري أن أم يستفهم بها في وسط كلام قد تقدم صدره ، وهذا منه . ومنه : ( أم يقولون افتراه ) . انتهى ، وهذا أيضا قول غريب . وتلخص أن أم هنا فيها ثلاثة أقوال : المشهور أنها هنا منقطعة بمعنى بل والهمزة . الثاني : أنها للإضراب فقط ، بمعنى بل . الثالث : بمعنى همزة الاستفهام فقط .

وقال الزمخشري : الخطاب للمؤمنين بمعنى : ما شاهدتم ذلك ، وإنما حصل لكم العلم به من طريق الوحي . وقيل : الخطاب لليهود ، لأنهم كانوا يقولون : ما مات نبي إلا على اليهودية ، إلا أنهم لو شهدوه ، ولو سمعوا ما قاله لبنيه ، وما قالوه ، لظهر لهم حرصه على ملة الإسلام ، ولما ادعوا عليه اليهودية . فالآية منافية لقولهم ، فكيف يقال لهم : ( أم كنتم شهداء ) ؟ ولكن الوجه أن تكون أم متصلة ، على أن يقدر قبلها محذوف ، كأنه قيل : أتدعون على الأنبياء اليهودية ؟ ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت ) ؟ يعني أن أوائلكم من بني إسرائيل كانوا مشاهدين له ، إذ أراد بنيه على التوحيد وملة الإسلام ، فما لكم تدعون على الأنبياء ما هم منه برآء ؟ انتهى كلامه . وملخصه : أنه جعل أم متصلة ، وأنه حذف قبلها ما يعادلها ، ولا نعلم أحدا أجاز حذف هذه الجملة ، ولا يحفظ ذلك لا في شعر ولا غيره ، فلا يجوز : أم زيد ؟ وأنت تريد : أقام عمرو أم زيد ؟ ولا أم قام خالد ؟ وأنت تريد : أخرج زيد ؟ أم قام خالد ؟ والسبب في أنه لا يجوز الحذف أن الكلام في معنى : أي الأمرين وقع ؟ فهي في الحقيقة جملة واحدة . وإنما يحذف المعطوف عليه ويبقى المعطوف مع الواو والفاء ، إذا دل على ذلك دليل نحو قولك : بلى وعمرا ، جوابا لمن . قال : ألم تضرب زيدا ؟ ونحو قوله تعالى : ( " أن اضرب بعصاك الحجر ) فانفجرت ، أي فضرب فانفجرت . وندر حذف المعطوف عليه مع أو ، نحو قوله :


فهل لك أو من والد لك قبلنا



أراد : فهل لك من أخ أو من والد ؟ ومع حتى على نظر فيه في قوله :


فيا عجبا حتى كليب تسبني



أي : يسبني الناس حتى كليب ، لكن الذي سمع من كلام العرب حذف أم المتصلة مع المعطوف ، قال :


دعاني إليها القلب إني لأمرها     سميع فما أدري أرشد طلابها



يريد : أم غير رشد ، فحذف لدلالة الكلام عليه ، وإنما جاز ذلك لأن المستفهم عن الإثبات يتضمن نقيضه . فالمعنى : أقام زيد أم لم يقم ، ولذلك صلح الجواب أن يكون بنعم وبلا ، فلذلك جاز ذلك في البيت في قوله : أرشد طلابها ، أي أم غير رشد . ويجوز حذف الثواني المقابلات إذا دل عليها المعنى . ألا ترى إلى قوله : ( تقيكم الحر ) ، كيف حذف والبرد ؟ . " إذ حضر " العامل في إذ " شهداء " ، وذلك على جهة الظرف لا على جهة المفعول ، كأنه قيل : حاضري كلامه في وقت حضور الموت ، وكنى بالموت عن مقدماته لأنه إذا حضر الموت نفسه لا يقول المحتضر شيئا ، ومنه : ( ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ) ، أي ويأتيه دواعيه وأسبابه ، وقال الشاعر :


وقل لهم بادروا العذر والتمسوا     قولا يبرئكم إني أنا الموت



وفي قوله : حضر ، كناية غريبة ، إنه غائب لا بد أن يقدم ، ولذلك يقال في الدعاء : واجعل الموت خير غائب ننتظره . وقرئ : حضر بكسر الضاد ، وقد ذكرنا أن ذلك لغة ، وأن مضارعها بضم الضاد شاذ ، وقدم [ ص: 402 ] المفعول هنا على الفاعل للاعتناء . ( إذ قال لبنيه ) ، إذ : بدل من إذ في قوله : إذ حضر ، فالعامل فيه إما " شهداء " العاملة في إذ الأولى على قول من زعم أن العامل في البدل العامل في المبدل منه ، وإما " شهداء " مكررة على قول من زعم أن البدل على تكرار العامل . وزعم القفال أن " إذا " وقت للحضور ، فالعامل فيه حضر ، وهو يئول إلى اتحاد الظرفين ، وإن اختلف عاملهما . ( ما تعبدون من بعدي ) ما : استفهام عما لا يعقل ، وهو اسم تام منصوب بالفعل بعده . فعلى قول من زعم أن ما مبهمة في كل شيء ، يكون هنا يقع على من يعقل وما لا يعقل ; لأنه قد عبد بنو آدم والملائكة والشمس والقمر وبعض النجوم ، والأوثان المنحوتة ، وأما من يذهب إلى تخصيص ما بغير العاقل ، فقيل : هو سؤال عن صفة المعبود ; لأن ما يسأل بها عن الصفات تقول : ما زيد ، أفقيه أم شاعر ؟ وقيل : سأل بما لأن المعبودات المتعارفة في ذلك الوقت كانت جمادات ، كالأوثان والنار والشمس والحجارة ، فاستفهم بما التي يستفهم بها عما لا يعقل . وفهم عنه بنوه فأجابوه : بأنا لا نعبد شيئا من هؤلاء . وقيل : استفهم بـ " ما " عن المعبود تجربة لهم ، ولم يقل " من " لئلا يطرق لهم الاهتداء ، وإنما أراد أن يختبرهم وينظر ثبوتهم على ما هم عليه . وظاهر الكلام أنه استفهم عن الذي يعبدون ، أي العبادة المشروعة ؟ وقال القفال : دعاهم إلى أن لا يتحروا في أعمالهم غير وجه الله تعالى ، ولم يخف عليهم الاشتغال بعبادة الأصنام ، وإنما خاف عليهم أن تشغلهم دنياهم . وفي ذلك دليل على أن شفقة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - على أولادهم كانت في باب الدين ، وهمتهم مصروفة إليهم . " من بعدي " : يريد من بعد موتي ، وحكي أن يعقوب - عليه السلام - حين خير ، كما يخير الأنبياء ، اختار الموت وقال : أمهلوني حتى أوصي بني وأهلي ، فجمعهم وقال لهم هذا القول .

( قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ) : هذه قراءة الجمهور . وقرأ أبي : وإله إبراهيم ، بإسقاط آبائك . وقرأ ابن عباس ، والحسن ، وابن يعمر ، والجحدري ، وأبو رجاء : وإله أبيك . فأما على قراءة الجمهور ، فإبراهيم وما بعده بدل من آبائك ، أو عطف بيان . وإذا كان بدلا ، فهو من البدل التفصيلي ، ولو قرئ فيه بالقطع ، لكان ذلك جائزا . وأجاز المهدوي أن يكون إبراهيم وما بعده منصوبا على إضمار أعني : وفيه دلالة على أن العم يطلق عليه أب . وقد جاء في العباس : هذا بقية آبائي ، وردوا علي أبي ، وأنا ابن الذبيحين ، على القول الشهير : أن الذبيح هو إسحاق ، وفيه دلالة على أن الجد يسمى أبا لقوله : ( وإله آبائك إبراهيم ) ، وإبراهيم جد ليعقوب . وقد استدل ابن عباس بذلك وبقوله : ( واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ) على توريث الجد دون الإخوة ، وإنزاله منزلة الأب في الميراث ، عند فقد الأب ، وأن لا يختلف حكمه وحكم الأب في الميراث ، إذا لم يكن أب ، وهو مذهب الصديق وجماعة من الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - وهو قول أبي حنيفة . وقال زيد بن ثابت : هو بمنزلة الإخوة ، ما لم تنقصه المقاسمة من الثلث ، فيعطى الثلث ، ولم ينقص منه شيئا ، وبه قال مالك وأبو يوسف والشافعي . وقال علي : هو بمنزلة أحد الإخوة ، ما لم تنقصه المقاسمة من السدس ، فيعطى السدس ، ولم ينقص منه شيئا ، وبه قال ابن أبي ليلى ، وحجج هذه الأقوال في كتب الفقه . وأما قراءة أبي فظاهرة ، وأما على قراءة ابن عباس ومن ذكر معه ، فالظاهر أن لفظ أبيك أريد به الإفراد ويكون إبراهيم بدلا منه ، أو عطف بيان . وقيل : هو جمع سقطت منه النون للإضافة ، فقد جمع " أب " على أبين نصبا وجرا ، وأبون رفعا ، حكى ذلك سيبويه ، وقال الشاعر :


فلما تبين أصواتنا     بكين وفديننا بالأبينا



وعلى هذا الوجه يكون إعراب إبراهيم مثل إعرابه حين كان جمع تكسير . وفي إجابتهم له بإظهار [ ص: 403 ] الفعل تأكيد لما أجابوه به ، إذ كان يجوز أن يقال : قالوا إلهك ، فتصريحهم بالفعل تأكيد في الجواب أنه مطابق للسؤال ، أعني في العامل الملفوظ به في السؤال . وإضافة الإله إلى يعقوب فيه دليل على اتحاد معبود السائل والمجيب لفظا . وفي قوله : ( وإله آبائك ) دليل على اتحاد المعبود أيضا من حيث اللفظ ، وإنما كرر لفظ وإله ; لأنه لا يصح العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة جاره ، إلا في الشعر ، أو على مذهب من يرى ذلك ، وهو عنده قليل . فلو كان المعطوف عليه ظاهرا ، لكان حذف الجار إذا كان اسما ، أولى من إثباته ، لما يوهم إثباته من المغايرة . فإن حذفه يدل على الاتحاد . وبدأ أولا بإضافة الإله إلى يعقوب ; لأنه هو السائل ، وقدم إبراهيم ; لأنه الأصل ، وقدم إسماعيل على إسحاق ; لأنه أسن أو أفضل ، لكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذريته ، وهو في عمود نسبه . واقتصر على هؤلاء ، لأنهم كانوا خير الناس في أزمانهم ، ولم يعم ; لأن الناس كان لهم معبودون كثيرون دون الله .

( إلها واحدا ) : يجوز أن يكون بدلا ، وهو بدل نكرة موصوفة من معرفة ، ويجوز أن يكون حالا ، ويكون حالا موطئة نحو : رأيتك رجلا صالحا . فالمقصود إنما هو الوصف ، وجيء باسم الذات توطئة للوصف . وجوز الزمخشري أن ينتصب على الاختصاص ، أي يريد بإلهك إلها واحدا . وقد نص النحويون على أن المنصوب على الاختصاص لا يكون نكرة ولا مبهما . وفائدة هذه الحال ، أو البدل ، هو التنصيص على أن معبودهم واحد فرد ، إذ قد توهم إضافة الشيء إلى كثيرين تعداد ذلك المضاف ، فنهض بهذه الحال أو البدل على نفي ذلك الإيهام . ( ونحن له مسلمون ) : أي منقادون لما ذكر الجواب بالفعل الذي هو نعبد ; لأن العبادة متجددة دائما . ذكر هذه الجملة الاسمية المخبر عن المبتدأ فيها باسم الفاعل الدال على الثبوت ; لأن الانقياد لا ينفكون عنه دائما ، وعنه تكون العبادة ، فيكون قوله : ( ونحن له مسلمون ) أحد جملتي الجواب . فأجابوه بشيئين : أحدهما : الذي سأل عنه ، والثاني : مؤكد لما أجابوا به ، فيكون من باب الجواب المربي على السؤال . وأجاز بعضهم أن تكون الجملة حالية من الضمير في نعبد ، والأول أبلغ ، وهو أن تكون الجملة معطوفة على قوله : ( نعبد ) ، فيكون أحد شقي الجواب . وأجاز الزمخشري أن تكون جملة اعتراضية مؤكدة ، أي : ومن حالنا أنا نحن له مسلمون مخلصون التوحيد أو مذعنون . والذي ذكره النحويون أن جملة الاعتراض هي الجملة التي تفيد تقوية بين جزأي موصول وصلة ، نحو قوله :


ماذا ولا عتب في المقدور رمت     إما تخطيك بالنجح أم خسر وتضليل



[ ص: 404 ] ( وقال ) :


ذاك الذي وأبيك يعرف مالكا     والحق يدفع ترهات الباطل



أو بين جزأي إسناد ، نحو قوله :


وقد أدركتني والحوادث جمة     أسنة قوم لا ضعاف ولا عزل



أو بين فعل شرط وجزائه ، أو بين قسم وجوابه ، أو بين منعوت ونعته ، أو ما أشبه ذلك مما بينهما تلازم ما . وهذه الجملة التي هي قوله : ( ونحن له مسلمون ) ليست من هذا الباب ; لأن قبلها كلاما مستقلا ، وبعدها كلام مستقل ، وهو قوله : ( تلك أمة قد خلت ) . لا يقال : إن بين المشار إليه وبين الإخبار عنه تلازم يصح به أن تكون الجملة معترضة ; لأن ما قبلها من كلام بني يعقوب ، حكاه الله عنهم ، وما بعدها من كلام الله تعالى ، أخبر عنهم بما أخبر تعالى . والجملة الاعتراضية الواقعة بين متلازمين لا تكون إلا من الناطق بالمتلازمين ، يؤكد بها ويقوي ما تضمن كلامه . فتبين بهذا كله أن قوله : ( ونحن له مسلمون ) ليس جملة اعتراضية . وقال ابن عطية : ( ونحن له مسلمون ) ابتداء وخبر ، أي : كذلك كنا ونحن نكون . ويحتمل أن يكون في موضع الحال . والعامل نعبد والتأويل الأول أمدح . انتهى كلامه . ويظهر منه أنه جعل الجملة معطوفة على جملة محذوفة ، وهي قوله : كذلك كنا ، ولا حاجة إلى تكلف هذا الإضمار ; لأنه يصح عطفها على نعبد إلهك ، كما ذكرناه وقررناه قبل . ومتى أمكن حمل الكلام على غير إضمار مع صحة المعنى ، كان أولى من حمله على الإضمار .

وفي المنتخب ما ملخصه تمسك بهذه الآية المقلدة ، وقالوا : إن أبناء يعقوب اكتفوا بالتقليد ، ولم ينكره هو عليهم ، فدل على أن التقليد كاف ، واستدل بها التعليمية ، قالوا : لا طريق لمعرفة الله تعالى إلا بتعليم الرسول والإمام ، فإنهم لم يقولوا : نعبد الإله الذي دل عليه العقل ، بل قالوا : لا نعبد إلا الذي أنت تعبده وآباؤك تعبده ، وهذا يدل على أن طريقة المعرفة التعلم . وما ذهبوا إليه لا دليل في الآية عليه ; لأن الآية لم تتضمن إلا الإقرار بعبادة الإله . والإقرار بالعبادة لله لا تدل على أن ذلك ناشئ عن تقليد ، ولا تعليم ، ولا أنه أيضا ناشئ عن استدلال بالعقل ، فبطل تمسكهم بالآية . وإنما لم تتعرض الآية للاستدلال العقلي ، لأنها لم تجئ في معرض ذلك ; لأنه إنما سألهم عما يعبدونه من بعد موته ، فأحالوه على معبوده ومعبود آبائه ، وهو الله تعالى ، وكان ذلك أخصر في القول من شرح صفاته تعالى من الوحدانية والعلم والقدرة وغير ذلك من صفاته ، وأقرب إلى سكون نفس يعقوب ، فكأنهم قالوا : لسنا نجري إلا على طريقتك . وقد يقال : إن في قوله : ( نعبد إلهك وإله آبائك ) إشارة إلى الاستدلال العقلي على وجود الصانع ; لأنه قد تقدم في أول السورة : ( ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم ) ، فمرادهم هنا بقولهم : ( نعبد إلهك وإله آبائك ) الإله الذي دل عليه وجود آبائك ، وهذا إشارة إلى الاستدلال .

التالي السابق


الخدمات العلمية