الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الفرض يوجد من الزوج ، أو القاضي ، أو أجنبي .

                                                                                                                                                                        الضرب الأول : إذا فرض الزوج ، نظر ، إن لم ترض به المرأة ، فكأنه لم يفرض وفيما علق عن الإمام ، أنه لا يشترط القبول منها ، بل يكفي طلبها وإسعافه ، وليكن هذا فيما إذا طلبت عينا أو مقدرا فأجابها ، أما إذا أطلقت الطلب ، فلا يلزم أن تكون راضية بما يعينه أو يقدره . أما إذا تراضيا على مهر ، فينظر ، إن جهلا قدر مهر المثل ، أو جهله أحدهما ، ففي صحة الفرض قولان . أظهرهما عند الجمهور : صحته وهو نصه في " الإملاء " والقديم . وإن كانا عالمين به ، صح ما فرضاه . ويجوز إثبات الأجل في المفروض على الأصح ، ويجوز أن يكون زائدا على مهر المثل إن كان من غير جنسه ، وكذا إن كان منه على المذهب .

                                                                                                                                                                        الضرب الثاني : فرض القاضي وذلك إذا امتنع الزوج من الفرض ، أو تنازعا في قدر المفروض ، فيفرضه ، ولا يفرض إلا من نقد البلد حالا . ولو رضيت بالأجل ، لم يؤجل ، بل تؤخر هي إن شاءت ، ولا يزيد على مهر المثل ولا ينقص ، كما في قيم المتلفات . ولكن الزيادة والنقص اليسير الذي يقع في محل الاجتهاد ، لا اعتبار [ ص: 284 ] به ، ويشترط علمه بقدر مهر المثل . قال الشيخ أبو الفرج : وإذا فرض ، لم يتوقف لزومه على رضاهما ; لأنه حكم منه ، وحكم القاضي لا يفتقر لزومه إلى رضى الخصمين .

                                                                                                                                                                        الضرب الثالث : فرض الأجنبي . فإذا فرض أجنبي للمفوضة مهرا يعطيه من مال نفسه برضاها ، لم يصح على الأصح . فإن صححنا ، طالبت الأجنبي بالمفروض ، وسقطت المطالبة عن الزوج . وعلى هذا ، لو طلقت قبل الدخول ، فنصف المفروض يعود إلى الزوج أم إلى الأجنبي ؟ فيه الوجهان السابقان فيما إذا تبرع أجنبي بأداء المسمى ثم طلقت قبل المسيس ذكرناهما فيما لو أصدق عن ابنه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        أبرأت المفوضة عن المهر قبل الفرض والمسيس ، فإن قلنا : يجب المهر بالعقد ، صح الإبراء إن كانت تعلم مهر المثل ، فإن جهلته ، ففي صحة الإبراء عن المجهول قولان سبقا في " الضمان " . أظهرهما : المنع . فإن منعنا ، فذلك فيما زاد على المتيقن . وفيما استيقنته وجهان من تفريق الصفقة .

                                                                                                                                                                        وإن قلنا : يجب المهر بالعقد ، فهو إبراء عما لم يجب ، وجرى سبب وجوبه . وفي صحته قولان كالقولين في ضمانه . أظهرهما : فساده ، فحصل أن المذهب فساد إبرائها .

                                                                                                                                                                        ولو أسقطت حق الفرض ، لم يسقط كإسقاط زوجة المولي ، ولو أبرأت عن المتعة قبل الطلاق ، فهو إبراء عما لم يجب . وإن أبرأت بعد ، فإبراء عن مجهول .

                                                                                                                                                                        ولو تزوج امرأة على خمر أو خنزير ، فأبرأته عن المسمى ، فهو لغو ; لأن الواجب غيره . وإن أبرأته عن مهر المثل وهي عالمة به ، صح .

                                                                                                                                                                        [ ص: 285 ] فرع

                                                                                                                                                                        لزوجته عليه مهر تيقن أنه لا ينقص عن ألف ، واحتمل أن يزيد عليه إلى ألفين ، ورغبا في البراءة ، فينبغي أن تبرئه عن ألفين ، ذكره البغوي . ولو قبضت ألفا ، وأبرأته من ألف إلى ألفين ، فإن بان أن مهرها ألف أو فوق الألف إلى ألفين ، فالبراءة حاصلة ، وإن بان فوق الألفين فعليه الزيادة ، وحصلت البراءة من ألفين ، والقول بحصول البراءة إذا بان فوق ألف إلى ألفين ، تفريع على أنه إذا قال : ضمنت من واحد إلى عشرة ، أو أبرأت ، صح الضمان والإبراء ، وهو الأصح . ولو دفع الزوج إليها ألفين ، وحلل لها ما بين ألف وألفين ، حل لها ذلك إن بان فوق ألف إلى ألفين . وإن بان دون ألف ، فعليها رد قدر التفاوت بين مهرها وبين الألف ; لأنه لم يدخل في التحليل ، ويحصل الفرض من جهة الزوجة بلفظ التحليل والإبراء ، أو الإسقاط والعفو . وأما من جهة الزوج ، فيشترط لفظ صالح لتمليك الأعيان . فإن تصرفت في المدفوع وصار دينا ، جرت فيه الألفاظ .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال لمن عليه ألف درهم : أبرأتك عن ألف درهم ، ثم قال : لم أعلم وقت الإبراء أنه كان لي عليه شيء ، لا يقبل قوله في الظاهر . وفي الباطن وجهان . قال الإصطخري : لا يقبل أيضا لأنه ورد على محل حقه . وقال غيره : يقبل ، والخلاف مأخوذ مما إذا باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية