الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  ( 165 ) حدثنا عبدان بن أحمد ، ثنا محمد بن يحيى الأزدي ، ثنا داود بن المحبر بن فخذم بن سليمان ، مولى أبي بكرة ، قال : ثنا أبي المحبر بن فخذم ، عن المسور بن عبد الله الباهلي ، عن بعض ولد الجارود ، عن الجارود أنه أخذ هذه النسخة من نسخة عهد العلاء الذي كتب له النبي - صلى الله عليه وسلم - حين بعثه إلى البحرين : " بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله النبي الأمي القرشي الهاشمي ، رسول الله ونبيه إلى خلقه كافة ، للعلاء بن الحضرمي ومن معه من المسلمين ، عهدا أعهده إليهم : اتقوا الله أيها المسلمون ما استطعتم ، فإني قد بعثت عليكم العلاء بن الحضرمي وأمرته أن يتقي الله وحده لا شريك له ، وأن يلين فيكم الجناح ، ويحسن فيكم السيرة ، ويحكم بينكم وبين من لقيه من الناس بما أمر الله في كتابه من العدل ، وأمرتكم بطاعته إذا فعل ذلك ، فإن حكم فعدل وقسم فأقسط ، واسترحم فرحم ، فاسمعوا له وأطيعوا وأحسنوا مؤازرته ومعاونته ، فإن [ ص: 90 ] عليكم من الحق طاعته ، وحقا عظيما لا تقدرون كل قدره ، ولا يبلغ القول كنه عظمة حق الله وحق رسوله ، وكما أن لله ولرسوله على الناس عامة وعليكم خاصة حقا واجبا في طاعته والوفاء بعهده ، ورضي الله عمن اعتصم بالطاعة ، حق كذلك للمسلمين على ولاتهم حق واجب وطاعة ، فإن في الطاعة دركا لكل خير ونجاة من كل شر يتقى ، وأنا أشهد على من وليته شيئا من أمر المسلمين قليلا أو كثيرا ، فليستخيروا الله عند ذلك ثم ليستعملوا عليهم أفضلهم في أنفسهم ، إلا وأصابت العلاء بن الحضرمي مصيبة الموت فخالد بن الوليد سيف الله يخلف فيكم العلاء بن الحضرمي ، فاستمعوا له وأطيعوا ، وأحسنوا مؤازرته وطاعته ، فسيروا على بركة الله وعونه ، ونصره ، وعاقبة رشده ، وتوفيقه ، من لقيتم من الناس فادعوهم إلى كتاب الله المنزل وسنة رسوله وإحلال ما أحل الله لهم في كتابه ، وتحريم ما حرم الله عليهم في كتابه ، وأن يخلعوا الأنداد ويبرؤوا من الشرك والكفر والنفاق ، وأن يكفروا بعبادة الطواغيت واللاتي والعزى ، وأن يتركوا عبادة عيسى ابن مريم ، وعزير بن مروة ، والملائكة ، والشمس والقمر ، والنيران ، وكل شيء متخذ نصبا من دون الله ، وأن يتبرؤوا مما برئ الله ورسوله ، فإذا فعلوا ذلك فأقروا به ، فقد دخلوا في الولاية سموهم عند ذلك بما في كتاب الله الذي تدعونهم إليه كتاب الله المنزل مع الروح الأمين على صفيه من العالمين محمد بن عبد الله رسول الله ونبيه أرسله رحمة للعالمين عامة ، الأبيض منهم والأسود ، والإنس والجن ، كتاب فيه بيان لكل شيء كان قبلكم ، وما هو كائن بعدكم ليكون حاجزا بين الناس حجز الله به بعضهم عن بعض وهو كتاب الله مهيمنا على الكتب مصدقا لما فيه من التوراة والإنجيل والزبور ، يخبركم الله فيه بما قد كان قبلكم مما قد فاتكم دركه في آبائكم الأولين الذين أتتهم رسل الله وأنبياؤه ، وكيف كان جوابهم لرسله ، وكيف كان تصديقهم بآيات الله ، وكيف كان [ ص: 91 ] تكذيبهم بآيات الله ، فأخبركم الله في كتابه شأنهم وأعمالهم وأعمال من هلك منهم بذنبه ليجتنبوا مثل ذلك ، أن يعملوا مثله كي لا تحل عليهم من سخطه ونقمته مثل الذي حل عليهم من سوء أعمالهم وتهاونهم بأمر الله ، وأخبركم الله عز وجل في كتابه هذا بإنجاء من نجا ممن كان قبلكم لكي تعملوا مثل أعمالهم ، فكتب لكم هذا تبيانا لكل شيء ، ذلك كله برحمة منه لكم وشفقة من ربكم عليكم ، وهو هدى من الله من الضلالة وتبيان من العمى ، وإقالة من العثرة ، ونجاة من الفتنة ، ونور من الظلمة ، وشفاء من الأحداث ، وعصمة من الهلكة ، ورشد من الغواية ، وتبيان ما بين الدنيا والآخرة ، وفيه كمال دينكم ، فإذا عرضتم هذا فأقروا لكم فقد استكملوا الولاية ، فاعرضوا عليهم عند ذلك الإسلام ، والإسلام : الصلوات الخمس ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصيام شهر رمضان ، والغسل من الجنابة ، والطهور قبل الصلاة ، وبر الوالدين ، وصلة الرحم المسلمة ، وحسن صحبة الوالدين المشركين ، فإذا فعلوا ذلك فقد أسلموا ، فادعوهم عند ذلك إلى الإيمان ، وابعثوا لهم شرائعكم . ومعالم الإيمان : شهادة أن لا إله إلا الله لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن ما جاء به محمد الحق وأن ما سواه الباطل ، والإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، وأنبيائه ، واليوم الآخر ، والإيمان بهذا الكتاب ما بين يديه ، وما خلفه بالتوراة والإنجيل والزبور ، والإيمان بالبينات ، والموت ، والحياة ، والبعث بعد الموت ، والحساب ، والجنة والنار ، والإيمان لله ولرسوله وللمؤمنين كافة ، فإذا فعلوا ذلك وأقروا به فهم مسلمون مؤمنون ، ثم تدعوهم بعد ذلك إلى الإحسان أن يحسنوا فيما بينهم وبين الله في أداء الأمانة وعهده الذي عهده إلى رسوله وعهد رسوله إلى خلقه وأئمة [ ص: 92 ] المؤمنين ، والتسليم لأئمة المسلمين من كل غائلة لسان ويد ، وأن يبتغوا لبقية المسلمين خيرا كما يبتغي أحدهم لنفسه ، والتصديق بمواعيد الرب عز وجل ولقائه ومعاتبته ، والوداع من الدنيا في كل ساعة ، والمحاسبة للنفس عند استئناف كل يوم وليلة ، والتعاهد لما فرض الله يؤديه إليه في السر والعلانية ، فإذا فعلوا ذلك فهم مسلمون محسنون مؤمنون ، ثم انعتوا لهم الكبائر ودلوهم عليها وخوفوهم من الهلكة في الكبائر ، إن الكبائر من الموبقات أولهن الشرك بالله لا يغفر أن يشرك به ، والسحر وما للساحر من خلاق ، وقطيعة الرحم يلعنهم الله ، والفرار من الزحف يبوءوا بغضب من الله ، والغلول فيأتوا بما غلوا يوم القيامة لا يقبل الله منهم ، وقتل النفس المؤمنة جزاؤه جهنم ، وقذف المحصنة لعنوا في الدنيا والآخرة ، وأكل مال اليتيم يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ، وأكل الربا فائذنوا بحرب من الله ورسوله ، فإذا انتهوا من الكبائر فهم مسلمون مؤمنون محسنون متقون لقد استكملوا التقوى ، فادعوهم بعد ذلك إلى العبادة ، والعبادة : الصيام والقيام والخشوع والركوع والسجود والإنابة والإحسان والتحميد والتهليل والتسبيح والتكبير والصدقة بعد الزكاة والتواضع والسكينة والسكون والمواساة والدعاء والتضرع والإقرار بالملكة والعبودية واستقلاله لما كثر من العمل الصالح ، فإذا فعلوا ذلك فهم مسلمون مؤمنون محسنون متقون عابدون ، وقد استكملوا العبادة ، فادعوهم عند ذلك إلى الجهاد وبينوا لهم ورغبوهم فيما رغبهم الله فيه من فضل الجهاد ، وفضل ثوابه عند الله ، فإن انتدبوا لهم فبايعوهم وادعوهم حتى تبايعوهم إلى سنة الله وسنة رسوله ، عليكم عهد الله وذمته وسبع كفالات منه لا تنكثوا أيديكم من بيعته ولا تنقضون أمر ولاتي من ولاة المسلمين ، فإذا أقروا بذلك فبايعوهم واستغفروا الله لهم فإذا خرجتم تقاتلون في سبيل الله غضبا لله ونصرا لدينه فمن لقوا من [ ص: 93 ] الناس فليدعوهم إلى مثل الذي دعوا إليه من كتاب الله وإسلامه وإيمانه وإحسانه وتقواه وعبادته وهجرته ، فمن تبعهم فهو المستجيب المؤمن المحسن التقي العابد المهاجر ، له ما لكم وعليه ما عليكم ، ومن أبى هذا عليكم فقاتلوه حتى يفيء إلى أمر الله ويفيء إلى فتنته ، ومن عاهدتم وأعطيتم ذمة الله ففوا له بها ، ومن أسلم وأعطاكم الرضا فهو منكم وأنتم منه ، ومن قاتلكم على هذا من بعد ما بينتموه له فقاتلوه ، ومن حاربكم فحاربوه أو كايدكم فكيدوا له أو جمع لكم فأجمعوا له أو غالكم فغولوه أو خادعكم فاخدعوه من غير أن تعتدوا ، أو ماكركم فامكروا به من غير أن تعتدوا سرا وعلانية ، فإنه من ينتصر من بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ، واعلموا أن الله معكم يراكم ويرى أعمالكم ، ويعلم ما تصنعون كله فاتقوا الله وكونوا على حذر في إنما هذه أمانة ائتمنني عليها ربي أبلغها عباده عذرا منه إليهم ، وحجة منه احتج بها على من بلغه من الخلق جميعا ، فمن عمل بما فيه نجا ، ومن اتبع ما فيه اهتدى ، ومن خاصم به فلح ، ومن قاتل به نصر ، ومن تركه ضل حتى يراجعه ، تعلموا ما فيه وأسمعوه آذانكم ، وعوه أجوافكم ، واستحفظوه قلوبكم ، فإنه نور الأبصار وربيع القلوب وشفاء لما في الصدور وكفى به أمرا ومعتبرا وزاجرا وعظة وداعيا إلى الله ورسوله ، هذا هو الخير الذي لا شر فيه ، كتاب محمد بن عبد الله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعلاء بن الحضرمي حين بعثه إلى البحرين يدعو إلى الله عز وجل ورسوله أمره أن يدعو إلى ما فيه من حلال وينهاه عما فيه من حرام ويدل على ما فيه من رشد ، وينهى عما فيه من غي " .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية