الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            157 - ( وعن نافع قال { : كان ابن عمر يستجمر بالألوة غير مطراة ، وبكافور يطرحه مع الألوة ويقول : هكذا كان يستجمر رسول الله صلى الله عليه وسلم } رواه النسائي ومسلم ، الألوة : العود الذي يتبخر به ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( يستجمر ) الاستجمار هنا التبخر وهو استفعال من المجمرة وهي التي توضع فيها النار . قوله : ( الألوة ) بفتح الهمزة وضمها وضم اللام وتشديد الواو وفتحها العود الذي يتبخر به كما قال المصنف وحكى الأزهري كسر اللام . قوله : ( غير مطراة ) أي غير مخلوطة بغيرها من الطيب ذكره في شرح مسلم .

                                                                                                                                            والحديث يدل على استحباب التبخر بالعود وهو نوع من أنواع الطيب المندوب إليه على العموم .

                                                                                                                                            158 - ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من عرض عليه طيب فلا يرده فإنه خفيف المحمل طيب الرائحة } ، رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود ) . لم يخرجه مسلم بهذا اللفظ بل بلفظ { : من عرض عليه ريحان فلا يرده } وهكذا أخرجه الترمذي بلفظ { : إذا أعطي أحدكم الريحان فلا يرده فإنه خرج من الجنة } وقال : هذا حديث حسن غريب ، وأخرجه من طريق حنان قال ولا يعرف لحنان غير هذا الحديث انتهى . وهو أيضا مرسل لأنه رواه حنان عن أبي عثمان النهدي ، وأبو عثمان وإن أدرك [ ص: 165 ] زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يره ولم يسمع منه . وحديث الباب صححه ابن حبان .

                                                                                                                                            وقد أخرج الترمذي عن ثمامة بن عبد الله قال كان أنس { : لا يرد الطيب . وقال أنس : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب } . قال : وهذا حديث حسن صحيح .

                                                                                                                                            وفي الباب عن أنس أيضا من وجه آخر عند البزار بلفظ { : ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم طيب قط فرده } ، قال الحافظ في الفتح : وسنده حسن .

                                                                                                                                            وعن ابن عباس عند الطبراني بلفظ { : من عرض عليه طيب فليصب منه }

                                                                                                                                            وقد بوب البخاري لهذا فقال باب من لم يرد الطيب ، وأورد فيه بلفظ : ( كان لا يرد الطيب ) والحديث يدل على أن رد الطيب خلاف السنة ولهذا نهى النبي عنه صلى الله عليه وسلم ، ثم أعقب النهي بعلة تفيد انتفاء موجبات الرد لأنه باعتبار ذاته خفيف لا يثقل حامله وباعتبار عرضه طيب لا يتأذى به من يعرض عليه فلم يبق حامل على الرد ، فإن كان ما كان بهذه الصفة محبب إلى كل قلب مطلوب لكل نفس .

                                                                                                                                            قوله : ( المحمل ) قال القرطبي : هو بفتح الميمين ويعني به الحمل .

                                                                                                                                            159 - ( وعن أبي سعيد { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المسك : هو أطيب طيبكم } ، رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            160 - ( وعن محمد بن علي قال : { سألت عائشة رضي الله عنها أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطيب ؟ قالت : نعم بذكارة الطيب المسك والعنبر } . رواه النسائي والبخاري في تاريخه ) .

                                                                                                                                            وأخرجه الترمذي أيضا من حديث عائشة بلفظ { : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطيب بذكارة الطيب المسك والعنبر ويقول : أطيب الطيب المسك } .

                                                                                                                                            وحديث الباب في إسناده أبو عبيدة بن أبي السفر وفيه مقال واسمه أحمد بن عبد الله . وقولها : ( بذكارة الطيب ) الذكارة بالكسر للمعجمة ما يصلح للرجال قاله في النهاية . والمراد الطيب الذي لا لون له لأن طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه . وقولها : ( المسك والعنبر ) بدل من ذكارة الطيب .

                                                                                                                                            والحديث الأول يدل على أن المسك خير الطيب وأحسنه وهو كذلك .

                                                                                                                                            وفي التصريح بأنه أطيب الطيب ترغيب في التطيب به وإيثاره على سائر أنواع الطيب .

                                                                                                                                            161 - ( وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : إن طيب الرجال ما ظهر ريحه [ ص: 166 ] وخفي لونه ، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه } رواه النسائي والترمذي وقال حديث حسن ) . وقال الترمذي بعد أن ذكر للحديث طريقا أخرى عن الجريري عن أبي نضرة عن الطفاوي عن أبي هريرة إلا أن الطفاوي لا نعرفه إلا في هذا الحديث ولا يعرف اسمه . وأخرجه أيضا من طريق ثالثة عن عمران بن حصين بلفظ { : إن خير طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه ، وخير طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه } وقال : هذا حديث حسن غريب وفي رجال إسناده عند النسائي مجهول ، ثم بينه في إسناد آخر بأنه الطفاوي وهو أيضا مجهول كما سبق .

                                                                                                                                            والحديث يدل على أنه ينبغي للرجال أن يتطيبوا بما له ريح ولا يظهر له لون كالمسك والعنبر والعطر والعود وأنه يكره لهم التطيب بما له لون كالزباد والعنبر ونحوه وأن النساء بالعكس من ذلك وقد ورد تسمية المرأة التي تمر بالمجالس ولها طيب له ريح . زانية ، كما أخرج الترمذي وصححه وأبو داود والنسائي من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : كل عين زانية والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا . يعني زانية } قال الترمذي : وفي الباب عن أبي هريرة




                                                                                                                                            الخدمات العلمية