الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( والمستحب أن يكون المقيم هو المؤذن ; لأن { زياد بن الحارث الصدائي أذن فجاء بلال ليقيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن أخا صداء أذن ، ومن أذن فهو يقيم } فإن أذن وأقام غيره جاز ; لأن بلالا أذن وأقام عبد الله بن زيد ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث زياد بن الحارث رواه أبو داود والترمذي وغيرهما ، قال الترمذي والبغوي : في إسناده ضعف ، وعلق البيهقي القول فيه فقال : إن ثبت كان أولى مما روي في حديث عبد الله بن زيد { أن بلالا أذن فقال عبد الله : يا رسول الله إني أرى الرؤيا ويؤذن بلال ؟ . قال : فأقم أنت } لما في إسناده ومتنه من الاختلاف ، وأنه كان في أول ما شرع الأذان وحديث الصدائي كان بعده . وأما حديث عبد الله بن زيد فرواه أبو داود وغيره ، وقد ذكرنا قول البيهقي فيه . وقال الإمام أبو بكر الحازمي في كتابه الناسخ والمنسوخ : في إسناده مقال ، قال : واتفق أهل العلم في الرجل يؤذن ويقيم [ ص: 129 ] غيره أن ذلك جائز . واختلفوا في الأولوية فقال أكثرهم لا فرق والأمر متسع . وممن رأى ذلك مالك وأكثر أهل الحجاز وأبو حنيفة وأكثر أهل الكوفة وأبو ثور وقال بعض العلماء : الأولى أن من أذن فهو يقيم . وقال الشافعي إذا أذن الرجل أحببت أن يتولى الإقامة لشيء يروى : أن من أذن فهو يقيم . قال الحازمي : وحجة هذا المذهب حديث الصدائي ; لأنه أقوم إسنادا من حديث عبد الله بن زيد . ثم حديث ابن زيد كان في أول ما شرع الأذان في السنة الأولى . وحديث الصدائي بعده بلا شك والأخذ بآخر الأمرين أولى . قال وطريق الإنصاف أن يقال الأمر في هذا الباب على التوسعة ، وادعاء النسخ مع إمكان الجمع بين الحديثين على خلاف الأصل .

                                      أما الصدائي فبضم الصاد وتخفيف الدال المهملتين وبالمد ، منسوب إلى صداء ` تصرف ولا تصرف ، وهو أبو هذه القبيلة واسمه يزيد بن حرب قال البخاري في تاريخه : صداء حي من اليمن ، وكان أذان زياد الصدائي في صلاة الصبح في السفر . ولم يكن بلال حاضرا حينئذ .

                                      ( أما حكم المسألة ) فإن أذن واحد فقط فهو الذي يقيم ، وإن أذن جماعة دفعة واحدة واتفقوا على من يقيم منهم أقام ، وإن تشاحوا أقرع ، وإن أذنوا واحدا بعد واحد فإن كان الأول هو المؤذن الراتب أو لم يكن هناك مؤذن راتب فالذي يقيم هو الأول . وإن كان الذي أذن أولا أجنبيا وأذن بعده الراتب فمن أولى بالإقامة ؟ فيه وجهان حكاهما الخراسانيون ( أصحهما ) الراتب ; لأنه صاحب ولاية الأذان والإقامة وقد أذن ( والثاني ) الأجنبي ; لأن بأذان الأول حصلت سنة الأذان أو فرضه ، ولو أقام في هذه الصور غير من له ولاية الإقامة ممن أذن أو أجنبي اعتد بإقامته على المذهب . وبه قطع المصنف والجمهور . وحكى الخراسانيون وجها أنه لا يعتد به ، تخريجا من قول الشافعي أنه لا يجوز أن يخطب واحد ويصلي آخر . وهذا ليس بشيء ويستحب أن لا يقيم في المسجد الواحد إلا واحد إلا إذا لم تحصل به الكفاية ، وفيه وجه أنه لا بأس بأن يقيموا جميعا إذا لم يؤد إلى تهويش ، وبه قطع البغوي وإذا أقام غير من أذن فهو خلاف الأولى ، ولا يقال [ ص: 130 ] مكروه . وقيل إنه مكروه ، وبه جزم العبدري ونقل مثله عن أحمد قال : وقال مالك وأبو حنيفة : لا يكره . .




                                      الخدمات العلمية