الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يأكل من لحم أضحيته فوق ثلاث وفي رواية لمسلم ثلاثة أيام وفي الصحيحين من حديث علي أيضا النهي عن ذلك وهو منسوخ بحديث سلمة بن الأكوع وعائشة وبريدة وجابر وأبي سعيد فإن فيها كلها بعد النهي بيان النسخ ففي الصحيحين من حديث سلمة من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء ؛ فلما كان العام المقبل قالوا يا رسول الله نفعل كما فعلنا من العام الماضي ؟ قال كلوا وأطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا فيها وقال مسلم أن تفشو فيهم .

                                                            ولهما من حديث عائشة ادخروا ثلاثا ثم تصدقوا بما بقي الحديث وفيه فقال إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت فكلوا وادخروا وتصدقوا لفظ مسلم ولمسلم من حديث بريدة كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم ولهما من حديث جابر كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى فرخص لنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال كلوا وادخروا ولمسلم من حديث أبي سعيد يا أهل المدينة لا تأكلوا لحم الأضاحي فوق ثلاثة أيام. فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لهم عيالا وحشما وخدما، فقال: كلوا وأطعموا واحتسبوا وادخروا .

                                                            التالي السابق


                                                            الحديث الثاني

                                                            وعن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يأكل من لحم أضحيته فوق ثلاث وهو منسوخ بحديث سلمة بن الأكوع وجابر وعائشة وبريدة وأبي سعيد [ ص: 195 ] بالإذن في ذلك وكلها في الصحيح

                                                            (فيه) فوائد:

                                                            (الأولى) حديث ابن عمر أخرجه البخاري من رواية محمد بن عبد الله بن أخي الزهري ومسلم والنسائي من رواية معمر كلاهما عن الزهري عن سالم عن أبيه لفظ البخاري كلوا من الأضاحي ثلاثا ؛ وكان عبد الله يأكل بالزيت حين ينفر من منى من أجل لحوم الهدي ولفظ الآخرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تؤكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث زاد مسلم وكان ابن عمر لا يأكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث وأخرجه مسلم والترمذي من رواية الليث بن سعد ومسلم وحده من رواية الضحاك بن عثمان كلاهما عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يأكل أحدكم من لحم أضحيته فوق ثلاثة أيام وقال الترمذي حسن صحيح.

                                                            وحديث سلمة بن الأكوع اتفق عليه الشيخان من رواية يزيد بن أبي عبيد عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء، فلما كان العام المقبل قالوا يا رسول الله نفعل كما فعلنا العام الماضي ؟ [ ص: 196 ] قال كلوا وأطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا فيها لفظ البخاري وقال مسلم أن تفشو فيهم وحديث جابر رواه البخاري ومسلم من رواية عطاء بن أبي رباح عنه قال كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى فرخص لنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال كلوا وتزودوا فأكلنا وتزودنا قال البخاري في روايته قلت لعطاء قال حتى جئنا المدينة قال لا وفي رواية مسلم قال نعم وفي صحيح مسلم عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ثم قال بعد كلوا وتزودوا وادخروا .

                                                            ، وحديث عائشة رواه مسلم وأبو داود والنسائي من رواية مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت دف أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادخروا ثلاثا ثم تصدقوا بما بقي فلما كان بعد ذلك قالوا يا رسول الله إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ويحملون فيها الودك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك ؟ قالوا نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ؛ فقال إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت فكلوا وادخروا منها وتصدقوا ورواه البخاري من رواية يحيى بن سعيد عن عمرة [ ص: 197 ] عن عائشة قالت الضحية كنا نملح منه فنقدم به إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال لا تأكلوا إلا ثلاثة أيام وليست بعزيمة ولكن أراد أن يطعم منه ؛ والله أعلم.

                                                            وفي عزو الشيخ رحمه الله في النسخة الكبرى من الأحكام اللفظ الأول للبخاري نظر فلم أقف عنده من حديث عائشة إلا على هذا اللفظ الذي ذكرته ثانيا والله أعلم.

                                                            وحديث بريدة رواه مسلم وغيره بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم .

                                                            وحديث أبي سعيد رواه مسلم بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أهل المدينة لا تأكلوا لحم الأضاحي فوق ثلاثة أيام فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لهم عيالا وحشما وخدما فقال كلوا وأطعموا واحبسوا وادخروا .

                                                            (الثانية) قوله لا يأكل أي المضحي فحذفه للعلم به وقيام القرينة عليه.

                                                            (الثالثة) اختلف العلماء في هذا النهي على أقوال:

                                                            (أحدها) أنه كان للتحريم وأنه منسوخ بالأحاديث التي ذكرتها في الفائدة الأولى وهذا هو المشهور وحكاه النووي في شرح مسلم عن جماهير العلماء قال وهذا من نسخ السنة بالسنة قال وتصحيح نسخ النهي مطلقا وأنه لم يبق تحريم ولا كراهة فيباح اليوم الإدخار فوق ثلاثة والأكل إلى متى شاء كصريح حديث بريدة وغيره وكذا قال في شرح المهذب الصواب المعروف أنه لا يحرم الإدخار اليوم بحال وسبقه إلى ذلك الرافعي فقال والظاهر أنه لا تحريم اليوم بحال وقال ابن عبد البر لا خلاف بين فقهاء المسلمين في إجازة أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث وأن النهي عن ذلك منسوخ.

                                                            (القول الثاني) أن هذا ليس نسخا ولكن كان التحريم لعلة فلما زالت زال ولو عادت لعاد وبهذا قال ابن حزم الظاهري واستدل بما في الصحيحين عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال صليت مع علي بن أبي طالب فصلى لنا قبل الخطبة ثم خطب الناس فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاكم أن تأكلوا لحوم نسككم فوق ثلاث فلا تأكلوا ثم قال ابن حزم هذا كان عام حضرة عثمان وكان أهل البوادي قد ألجأتهم الفتنة إلى المدينة وأصابهم جهد فأمر بذلك بمثل ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جهد الناس ودفت الدافة انتهى وللشافعي رحمه الله نص حكاه البيهقي تردد فيه بين هذا القول والذي [ ص: 198 ] قبله ؛ قال بعد ذكر حديث عائشة وجابر يجب على من علم الأمرين معا أن يقول نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه لمعنى فإذا كان مثله فهو منهي عنه وإذا لم يكن مثله لم يكن منهيا عنه أو يقول نهى النبي صلى الله عليه وسلم في وقت ثم أرخص فيه بعده والآخر من أمره ناسخ للأول وقال شيخنا الإمام جمال الدين عبد الرحيم الإسنوي رحمه الله: الصحيح أن النهي كان مخصوصا بحالة الضيق والصحيح أيضا أنه إذا حدث ذلك في زماننا أن يعود المنع على خلاف ما رجحه الرافعي فقد نص الشافعي على ذلك كله فقال في الرسالة في آخر باب العلل في الحديث ما نصه فإذا دفت الدافة ثبت النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث وإن لم تدف دافة فالرخصة ثابتة بالأكل والتزود والادخار والصدقة قال الشافعي ويحتمل أن يكون النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث منسوخا في كل حال انتهى وقال أبو العباس القرطبي حديث سلمة وعائشة نص على أن المنع كان لعلة ولما ارتفعت ارتفع لارتفاع موجبه لا لأنه منسوخ فتعين الأخذ به ويعود الحكم لعود العلة فلو قدم على أهل بلدة ناس محتاجون في زمان الأضحى ولم يكن عند أهل ذلك البلد سعة يسدون بها فاقتهم إلا الضحايا لتعين عليهم أن لا يدخروها فوق ثلاث.

                                                            (القول الثالث) كالذي قبله في أن هذا ليس نسخا ولكن التحريم لعلة فلما زالت زال ولكن لا يعود الحكم لو عادت وهذا وجه لبعض الشافعية حكاه الرافعي والنووي وهو بعيد.

                                                            (القول الرابع) أن النهي الأول لم يكن للتحريم وإنما كان للكراهة وهذا ذكره أبو علي الطبري صاحب الإفصاح على سبيل الاحتمال كما حكاه الرافعي ونص عليه الشافعي كما حكاه البيهقي فقال وقال الشافعي رحمه الله في موضع آخر: يشبه أنه يكون نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث إذا كانت الدافة ؛ على معنى الاختيار لا على معنى الفرض لقوله تعالى في البدن فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا وهذه الآية في البدن التي يتطوع بها أصحابها، قال النووي في شرح مسلم قال هؤلاء والكراهة باقية إلى اليوم ولكن لا يحرم، قالوا ولو وقع مثل تلك العلة اليوم فدفت دافة واساهم الناس، وحملوا على هذا مذهب علي وابن عمر انتهى وإلى هذا [ ص: 199 ] ذهب المهلب فقال إنه الذي يصح عندي، انتهى ويدل لهذا قوله في حديث عائشة وليست بعزيمة ولكن أراد أنه يطعم منه وقد تقدم في الفائدة الأولى وقال ابن حزم لا حجة فيه لأن قوله ليست بعزيمة، ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو ظن بعض رواة الخبر ويبين ذلك قوله بعده: ولكن أراد أن يطعم منه والله أعلم.

                                                            وأيضا فإن أبا بكر بن أبي أويس مذكور عنه في روايته أمر عظيم.

                                                            (القول الخامس) أن هذا النهي للتحريم وأن حكمه مستمر لم ينسخ وحمل على هذا ما تقدم عن علي رضي الله عنه وما رواه ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنهما وحمله، على أنهما رأيا عود الحكم لعود علته كما تقدم في القول الثاني أولى وبتقدير أن لا يؤول على هذا فسببه عدم بلوغ الناسخ فإنه لا يسع أحدا العمل بالمنسوخ بعد ورود الناسخ ومن علم حجة على من لم يعلم



                                                            (الرابعة) ظاهر قوله لا يأكل من لحم أضحيته فوق ثلاث أن ابتداءها من وقت التضحية بها وهذا هو الذي ينبغي الجزم به وكذا قال ابن حزم الظاهري بتقدير عود الحكم لعود علته كما هو مذهبه ومذهب غيره وقال القاضي عياض يحتمل أن يكون ابتداء الثلاث من يوم ذبحها ويحتمل من يوم النحر وإن تأخر ذبحها إلى أيام التشريق قال وهذا أظهر وحكاه النووي عنه وأقره وحكى أبو العباس القرطبي ذلك خلافا محققا ورجح الأول فقال وهذا الظاهر من حديث سلمة بن الأكوع فإنه قال فيه من ضحى منكم فلا يصبحن في بيته بعد ثالثة شيء ثم قال ويظهر من بعض ألفاظ أحاديث النهي ما يوجب قولا ثالثا وهو أن في حديث أبي عبيد فوق ثلاث ليال وهذا يوجب إلغاء اليوم الذي ضحى فيه من العدد وتعتبر ليلته وما بعدها وكذلك حديث ابن عمر فإن فيه فوق ثلاث تعني الليالي وكذلك حديث سلمة فإن فيه بعد ثالثة وأما حديث أبي سعيد ففيه ثلاثة أيام وهذا يقتضي اعتبار الأيام دون الليالي انتهى.

                                                            (قلت) وكذا هو في رواية لمسلم وغيره من حديث ابن عمر كما تقدم في الفائدة الأولى والظاهر إرادة الأيام بلياليها، واستفدنا ذلك من مجموع الروايات والله أعلم



                                                            (الخامسة) مفهوم الحديث أنه لا منع من الأكل من لحم أضحية غيره فوق [ ص: 200 ] ثلاث فالمهدى إليه والمتصدق عليه له ادخاره فوق ثلاث لأن القصد مواساة أصحاب الأضاحي وقد حصلت وأما الفقير فإنه لا حجر عليه في التصرف فيه وقد يستغني عنه مدة الثلاث بغيره ويحتاج إليه بعد الثلاث ويدل لهذا ما رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده عن الزبير بن العوام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى المسلمين أن يأكلوا لحم نسكهم فوق ثلاث قلت يا نبي الله بأبي أنت وأمي كيف نصنع بما أهدي لنا ؟ قال ما أهدي إليكم فشأنكم به والحديث في مسند أحمد أيضا وقد يفرق في ذلك بين الغني فيحرم عليه ادخاره بعد ثلاث ولو كان من لحم أهداه له غيره والفقير فيباح له لأنه لا يحتمل حاله المواساة والله أعلم



                                                            (السادسة) مفهومه أن له الأكل منها مدة الثلاث ومحله في المتطوع بها أما المنذورة فليس له الأكل منها بحال وفي حديث سلمة كلوا وأطعموا وادخروا فأما الأكل منها فمستحب عند الجمهور، قال النووي في شرح مسلم هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا ما حكي عن بعض السلف أنه أوجب الأكل منها وهو قول أبي الطيب بن سلمة من أصحابنا حكاه عنه الماوردي لظاهر هذا الحديث في الأمر بالأكل مع قوله تعالى فكلوا منها وحمل الجمهور هذا الأمر على الندب أو الإباحة لا سيما وقد ورد بعد الحظر فقد قال جماعة من أصحابنا إنه في هذه الحالة للإباحة والجمهور على أنه للوجوب كما لو ورد ابتداء وبوجوب الأكل ولو لقمة.

                                                            قال ابن حزم الظاهري وأما الصدقة منها فالصحيح عند أصحابنا أنها واجبة بما يقع عليها الاسم ويستحب أن يتصدق بمعظمها قال أصحابنا والحنابلة وأدنى الكمال أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويهدي الثلث، وللشافعي قول أنه يأكل النصف ويتصدق بالنصف، وهذا الخلاف في قدر أو في الكمال في الاستحباب وأما الإجزاء فتجزيه الصدقة بما يقع عليه الاسم كما قدمته ، وهذا مذهب الحنابلة في وجه لبعض أصحابنا قاله ابن سريج وابن القاص والإصطخري وغيرهم أنه لا تجب الصدقة بشيء منها وهو مذهب المالكية قال ابن عبد البر وعلى هذا جماعة العلماء إلا أنهم يكرهون أن لا يتصدق منها بشيء انتهى والخلاف المتقدم في تقييد الصدقة بالثلث أو النصف [ ص: 201 ] هو عند المالكية أيضا لكن المشهور عندهم نفي التحديد.

                                                            وقال الحنفية يستحب أن يتصدق بالثلث ويأكل الثلث ويدخر الثلث وكذا قال الغزالي في الوجيز وأنكره عليه الرافعي والنووي لكن حكاه القاضي حسين في تعليقه عن قول الشافعي في الجديد وهو غريب وأما الادخار فالأمر به للإباحة بلا شك والله أعلم .



                                                            (السابعة) قال ابن العربي فيه رد على المعتزلة الذين يرون أن النسخ لا يكون إلا بالأخف للأثقل وقد كان أكلها مباحا ثم حرم ثم أبيح وأي هذين كان أخف أو أثقل فقد نسخ أحدهما بالآخر (قلت) تحريمها بعد الإباحة ليس نسخا لأنه رفع للبراءة الأصلية ورفع البراءة الأصلية ليس بنسخ على ما تقرر في الأصول وإن صح ما قاله فقد وقع النسخ هنا مرتين وذلك في مواضع محصورة لم يذكر هذا منها والله أعلم .



                                                            (الثامنة) قوله في حديث سلمة كان بالناس جهد بفتح الجيم أي مشقة وفاقة وقوله فأردت أن تعينوا فيها كذا في صحيح البخاري وهو من الإعانة والضمير في قوله فيها يحتمل أن يعود على السنة وإن لم يتقدم لها ذكر لأنها بمعنى العام ويحتمل أن يعود على المشقة والشدة التي فهمت من لفظ الجهد ومن المعنى، وفي رواية مسلم فأردت أن يفشو فيهم وهو بالفاء والشين المعجمة أي تشيع لحوم الأضاحي في الناس وينتفع بها المحتاجون قال القاضي عياض في المشارق كلاهما صحيح والذي في البخاري أوجه وعكس ذلك في شرح مسلم فقال الذي في مسلم أشبه انتهى وفي الترجيح بينهما نظر فكلاهما رواية ثابتة صحيحة المعنى وقوله في حديث عائشة إنما نهيتكم من أجل الدافة هو بالدال المهملة وبتشديد الفاء قال النووي قال أهل اللغة الدافة بتشديد الفاء قوم يسيرون جميعا سيرا خفيفا ودف يدف بكسر الدال ودافة الأعراب من يرد منهم المصر والمراد هنا من ورد من ضعفاء الأعراب للمواساة.

                                                            (وقوله في حديث أبي سعيد إن لهم عيالا وحشما وخدما) قال أهل اللغة الحشم بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة اللائذون بالإنسان يخدمونه ويقومون بأموره وقال الجوهري : هم خدم الرجل ومن يغضب له سموا بذلك لأنهم يغضبون له والحشمة الغضب وتطلق [ ص: 202 ] على الاستحياء أيضا ومنه قولهم فلان لا يحتشم ولا يستحي ويقال حشمته وأحشمته إذا أغضبته وإذا أخجلته فاستحيا لخجله وقال النووي بعد ذكره ما ذكرته وكأن الحشم أعم من الخدم فلهذا جمع بينهما في هذا الحديث وهو من باب ذكر الخاص بعد العام وقوله واحتسبوا أو ادخروا كذا في هذه الرواية على الشك من الراوي لأن اللفظين بمعنى واحد وهذه الرواية موافقة لمن قال يأكل الثلث ويطعم الثلث ويدخر الثلث والمشهور بين العلماء أن الادخار من حصة الأكل وقد تقدم ذلك




                                                            الخدمات العلمية