الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1832 ) فصل : الحكم الثالث ، أن العشر يجب فيما سقي بغير مؤنة ، كالذي يشرب من السماء والأنهار ، وما يشرب بعروقه ، وهو الذي يغرس في أرض ماؤها قريب من وجهها ، فتصل إليه عروق الشجر ، فيستغني عن سقي ، وكذلك ما كانت عروقه تصل إلى نهر أو ساقية . ونصف العشر فيما سقي بالمؤن ، كالدوالي والنواضح ; لا نعلم في هذا خلافا . وهو قول مالك ، والثوري ، والشافعي ، وأصحاب الرأي ، وغيرهم .

                                                                                                                                            والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم : { فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر ، وما سقي بالنضح نصف العشر } . رواه البخاري ، قال أبو عبيد العثري : ما تسقيه السماء ، وتسميه العامة : العذي . وقال القاضي : هو الماء المستنقع في بركة أو نحوها ، يصب إليه ماء المطر في [ ص: 298 ] سواق تشق له ، فإذا اجتمع سقي منه ، واشتقاقه من العاثور ، وهي الساقية التي يجري فيها الماء ، لأنها يعثر بها من يمر بها . وفي رواية مسلم : { وفيما يسقى بالسانية نصف العشر } . والسواني : هي النواضح ، وهي الإبل يستقى بها لشرب الأرض .

                                                                                                                                            وعن معاذ ، قال : { بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ، فأمرني أن آخذ مما سقت السماء ، أو سقي بعلا ، العشر ، وما سقي بدالية نصف العشر } . قال أبو عبيد : البعل ، ما شرب بعروقه من غير سقي . وفي الجملة كل ما سقي بكلفة ومؤنة ، من دالية أو سانية أو دولاب أو ناعورة أو غير ذلك ، ففيه نصف العشر ، وما سقي بغير مؤنة ، ففيه العشر ; لما روينا من الخبر ، ولأن للكلفة تأثيرا في إسقاط الزكاة جملة ، بدليل المعلوفة ، فبأن يؤثر في تخفيفها أولى ، ولأن الزكاة إنما تجب في المال النامي ، وللكلفة تأثير في تقليل النماء ، فأثرت في تقليل الواجب فيها ، ولا يؤثر حفر الأنهار والسواقي في نقصان الزكاة ; لأن المؤنة تقل ، لأنها تكون من جملة إحياء الأرض ولا تتكرر كل عام .

                                                                                                                                            وكذلك لا يؤثر احتياجها إلى ساق يسقيها ، ويحول الماء في نواحيها ، لأن ذلك لا بد منه في كل سقي بكلفة ، فهو زيادة على المؤنة في التنقيص ، يجري مجرى حرث الأرض وتحسينها . وإن كان الماء يجري من النهر في ساقية إلى الأرض ، ويستقر في مكان قريب من وجهها ، لا يصعد إلا بغرف أو دولاب ، فهو من الكلفة المسقطة لنصف الزكاة ، على ما مر ; لأن مقدار الكلفة وقرب الماء وبعده لا يعتبر ، والضابط لذلك هو أن يحتاج في ترقية الماء إلى الأرض بآلة من غرف أو نضح أو دالية ونحو ذلك ; وقد وجد . ا هـ .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية