الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 377 ] ذكر وصول الموفق إلى قتال الزنج وفتح المنيعة

وفيها ، في صفر ، سار الموفق عن بغداذ إلى واسط لحرب الزنج ، وكان سبب تأخره عن ابنه أبي العباس هذه أنه [ كان ] يجمع ويحشد الفرسان والرجالة ، ويستكثر من العدة التي يقوى بها على حرب الزنج ، ويسد الجهات التي يخاف فيها لئلا يبقى له ما يشغل قلبه .

إلا أن الخبيث رئيس الزنج قد أرسل إلى علي بن أبان المهلبي يأمره بالاجتماع مع سليمان بن جامع على حرب أبي العباس ، فخاف وهنا يتطرق إلى ابنه أبي العباس ، فسار عن بغداذ في صفر ، فوصل إلى واسط في ربيع الأول ، فلقيه ابنه وأخبره بحال جنده وقواده ، فخلع عليه وعليهم ، ورجع أبو العباس إلى معسكره بالعمر ، ثم نزل الموفق على نهر شداد بإزاء قرية عبد الله إلى معسكره بالعمر ، ثم نزل الموفق على نهر شداد ، وأمر ابنه فنزل شرقي دجلة بإزاء فوهة بردودا ، وولاه مقدمته ، وأعطى الجيش أرزاقهم ، وأمر ابنه أن يسير بما معه من آلات الحرب إلى فوهة نهر مساور ، فرحل في نخبة أصحابه ، ورحل الموفق بعده ، فنزل فوهة نهر مساور فأقام يومين .

ثم رحل إلى المدينة التي سماها صاحب الزنج المنيعة من سوق الخميس يوم الثلاثاء لثمان خلون من ربيع الآخر من هذه السنة ، وسلك بالسفن في نهر مساور ، وسارت الخيل بإزائه شرقي نهر مساور ، حتى جازوا براطق الذي يوصل إلى المنيعة ، وأمر بتعبير الخيل ، وتصييرها من الجانبين ، وأمر ابنه أبا العباس بالتقدم بالشذا بعامة الجيش ، ففعل ، فلقيه الزنج ، فحاربوه حربا شديدة ، ووافاهم أبو أحمد الموفق ، والخيل من جانبي النهر ، فلما رأوا ذلك انهزموا وتفرقوا وعلا أصحاب أبي العباس السور ، ووضعوا السيوف فيمن لقيهم ، ودخلوا المدينة فقتلوا فيها خلقا كثيرا ، أسروا عالما عظيما ، وغنموا ما كان فيها ، وهرب الشعراني ومن معه ، وتبعه أصحاب الموفق إلى البطائح ، فغرق منهم خلق كثير ، ولجأ الباقون إلى الآجام .

[ ص: 378 ] ورجع أبو أحمد إلى معسكره من يومه ، وقد استنقذ من المسلمات زهاء خمسة آلاف امرأة سوى من ظفر به من الزنجيات ، وأمر أبو أحمد بحفظ النساء وحملهن إلى واسط ليدفعن إلى أهلهن ، ثم بكر إلى المدينة ، فأمر الناس بأخذ ما فيه فأخذ جميعه ، وأمر بهدم سورها ، وطم خندقها ، وإحراق ما بقي فيها من السفن ، وأخذوا من الطعام ، والشعير ، والأرز ، وغير ذلك ، ما لا حد عليه ، فأمر ببيع ذلك وصرفه إلى الجند .

ولما انهزم سليمان لحق بالمراز ، وكتب إلى الخائن ، صاحب الزنج بذلك ، فورد الكتاب عليه وهو يتحدث ، فانحل بطنه ، فقام إلى الخلاء دفعات ، وكتب إلى سليمان بن جامع يحذره مثل الذي نزل بالشعراني ، ويأمره بالتيقظ .

وأقام الموفق بنهر مساور يومين يتعرف أخبار الشعراني ، وسليمان بن جامع ، فأتاه من أخبره أن سليمان بن جامع بالجوانيت ، فسار حتى وافى الصينية ، وأمر ابنه أبا العباس بالتقدم بالشذا والسميريات إلى الجوانيت مختفيا ، فسار أبو العباس إليها ، فلم ير سليمان بها ، ورأى هناك جمعا من الزنج مع قائدين لهم خلفهم سليمان بن جامع هناك لحفظ غلات كثيرة لهم فيها ، فحاربهم أبو العباس ، ودامت الحرب إلى أن حجز بينهم الليل ، واستأمن إلى أبي العباس رجل ، فسأله عن سليمان بن جامع ، وأخبره أنه مقيم بطهثا ، بمدينته التي سماها المنصورة ، فعاد أبو العباس إلى أبيه بالخبر ، فأمره بالمسير إليه ، فسار حتى نزل بردودا ، فأقام بها لإصلاح ما يحتاج إليه ، واستكثر من الآلات التي يسد بها الأنهار ، ويصلح بها الطرق للخيل ، وخلف ببردودا بفراج التركي .

التالي السابق


الخدمات العلمية