الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أن : بالفتح والتخفيف على أوجه :

الأول : أن تكون حرفا مصدريا ناصبا للمضارع ، ويقع في موضعين :

في الابتداء : فيكون في محل رفع ، نحو : وأن تصوموا خير لكم [ البقرة : 184 ] ، وأن تعفوا أقرب للتقوى [ البقرة : 237 ] .

وبعد لفظ دال على معنى غير اليقين : فيكون في محل رفع ، نحو : ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع [ الحديد : 16 ] ، وعسى أن تكرهوا شيئا [ البقرة : 216 ] . ونصب ، نحو : نخشى أن تصيبنا دائرة [ المائدة : 52 ] ، وما كان هذا القرآن أن يفترى [ يونس : 37 ] فأردت أن أعيبها [ الكهف : 79 ] . وخفض ، نحو : أوذينا من قبل أن تأتينا [ الأعراف : 129 ] . من قبل أن يأتي أحدكم الموت [ المنافقون : 10 ] .

و ( أن ) هذه موصول حرفي ، وتوصل بالفعل المتصرف ، مضارعا كما مر ، وماضيا نحو : لولا أن من الله علينا [ القصص : 82 ] ، ولولا أن ثبتناك [ الإسراء : 74 ] .

وقد يرفع المضارع بعدها إهمالا لها ، حملا على ( ما ) أختها ، كقراءة ابن محيصن : ( لمن أراد أن يتم الرضاعة ) [ البقرة : 233 ] .

[ ص: 477 ] الثاني : أن تكون مخففة من الثقيلة ، فتقع بعد فعل اليقين أو ما نزل منزلته ، نحو : أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا [ طه : 89 ] ، علم أن سيكون [ المزمل : 20 ] ، ( وحسبوا أن لا تكون ) [ المائدة : 71 ] في قراءة الرفع .

الثالث : أن تكون مفسرة بمنزلة أي : ، نحو : فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا [ المؤمنون : 27 ] ، ونودوا أن تلكم الجنة [ الأعراف : 43 ] .

وشرطها : أن تسبق بجملة ، فلذلك غلط من جعل منها : وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين [ يونس : 10 ] .

وأن يتأخر عنها جملة .

وأن يكون في الجملة السابقة معنى القول ، ومنه : وانطلق الملأ منهم أن امشوا [ ص : 6 ] إذ ليس المراد بالانطلاق المشي ، بل انطلاق ألسنتهم بهذا الكلام ، كما أنه ليس المراد المشي المتعارف بل الاستمرار على المشي .

وزعم الزمخشري أن التي في قوله : أن اتخذي من الجبال بيوتا [ النحل : 68 ] مفسرة ، بأن قبله : وأوحى ربك إلى النحل ، والوحي هنا إلهام باتفاق ، وليس في الإلهام معنى القول ، وإنما هي مصدرية ، أي : باتخاذ الجبال .

وألا يكون في الجملة السابقة أحرف القول .

وقال الزمخشري في قوله : ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله [ المائدة : 117 ] : إنه يجوز أن تكون مفسرة للقول على تأويله بالأمر ، أي : ما أمرتهم إلا بما أمرتني به أن اعبدوا الله .

قال ابن هشام : وهو حسن ، وعلى هذا فيقال في الضابط أن لا تكون فيه حروف إلا والقول مئول بغيره .

قلت : وهذا من الغرائب ، كونهم يشرطون أن يكون فيها معنى القول ، فإذا جاء لفظه أولوه بما فيه معناه مع صريحه ، وهو نظير ما تقدم من جعلهم ( أل ) في ( الآن ) زائدة ، مع قولهم بتضمنها معناها .

وألا يدخل عليها حرف جر .

الرابع : أن تكون زائدة ، والأكثر أن تقع بعد لما التوقيتية ، نحو : ولما أن جاءت رسلنا لوطا [ العنكبوت : 33 ] .

[ ص: 478 ] وزعم الأخفش : أنها تنصب المضارع وهي زائدة ، وخرج عليه : وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله [ البقرة : 246 ] وما لنا ألا نتوكل على الله [ إبراهيم : 12 ] ، قال : فهي زائدة ، بدليل : وما لنا لا نؤمن بالله [ المائدة : 84 ] .

الخامس : أن تكون شرطية كالمكسورة ، قاله الكوفيون . وخرجوا عليه : أن تضل إحداهما [ البقرة : 282 ] ، أن صدوكم عن المسجد الحرام [ المائدة : 2 ] ، صفحا أن كنتم قوما مسرفين [ الزخرف : 5 ] .

قال ابن هشام : ويرجحه عندي تواردهما على محل واحد ، والأصل التوافق ، وقد قرئ بالوجهين في الآيات المذكورة ، ودخول الفاء بعدها في قوله : فتذكر [ البقرة : 282 ] .

السادس : أن تكون نافية ، قال بعضهم في قوله : أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم [ آل عمران : 73 ] أي : لا يؤتى ، والصحيح أنها مصدرية ، أي : ولا تؤمنوا أن يؤتى ، أي : بإيتاء أحد .

السابع : أن تكون للتعليل ، كما قاله بعضهم في قوله تعالى : بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم [ ق : 2 ] ، يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا [ الممتحنة : 1 ] والصواب أنها مصدرية ، وقبلها لام العلة مقدرة .

الثامن : أن تكون بمعنى لئلا ، قاله بعضهم في قوله : يبين الله لكم أن تضلوا [ النساء : 176 ] ، والصواب أنها مصدرية ، والتقدير : كراهة أن تضلوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية