الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما ينهى عنه من لبس الثياب في الإحرام

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم من الثياب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس

                                                                                                          قال يحيى سئل مالك عما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل فقال لم أسمع بهذا ولا أرى أن يلبس المحرم سراويل لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس السراويلات فيما نهى عنه من لبس الثياب التي لا ينبغي للمحرم أن يلبسها ولم يستثن فيها كما استثنى في الخفين

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          3 - باب ما ينهى عنه من لبس الثياب في الإحرام

                                                                                                          قال ابن دقيق العيد : الإحرام الدخول في أحد النسكين والتشاغل بأعمالهما ، وقد كان شيخنا العلامة ابن عبد السلام يستشكل معرفة حقيقة الإحرام ويبحث فيه كثيرا ، وإذا قيل إنه النية اعترض عليه بأن النية شرط في الحج الذي الإحرام ركنه ، وشرط الشيء غيره ، ويعترض على أنه التلبية بأنها ليست بركن والإحرام هنا ركن ، وكان يحرم على تعيين فعل يتعلق به النية في الابتداء انتهى .

                                                                                                          وأجيب بأن المحرم اسم فاعل من أحرم بمعنى دخل في الحرمة أي أدخل نفسه وصيرها متلبسة بالسبب المقتضي للحرمة لأنه دخل في عبادة الحج أو العمرة أو هما معا ، فحرم عليه الأنواع السبعة : لبس المخيط ، والطيب ، ودهن الرأس واللحية ، وإزالة الشعر والظفر ، والجماع ومقدماته ، والصيد ، فعلم من هذا أن النية مغايرة له لشمولها له ولغيره لأنها قصد فعل الشيء تقربا إلى الله ، فأركان الحج مثلا : الإحرام والطواف والوقوف والسعي ، والنية : فعل كل واحد من الأربعة تقربا إلى الله تعالى وبهذا يزول الإشكال ، وكان الذي كان يحرم عليه ما ذكر .

                                                                                                          716 710 - ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رجلا ) ، قال الحافظ : لم أقف على اسمه في شيء من الطرق ، ( سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم من الثياب ؟ ) وللبخاري من طريق الليث عن نافع : " ما نلبس من الثياب إذا أحرمنا ؟ وهو مشعر بأن السؤال كان قبل الإحرام .

                                                                                                          وحكى الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري أن في رواية ابن جريج والليث عن نافع أن ذلك كان في المسجد ، ولم أر ذلك في شيء من الطرق عنهما ، نعم أخرج البيهقي من طريق أيوب وعبد الله بن عون كلاهما عن نافع عن ابن عمر قال : نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بذلك المكان ، وأشار نافع إلى مقدم المسجد فظهر أن السؤال كان بالمدينة .

                                                                                                          وللبخاري ومسلم عن ابن عباس : أنه صلى الله عليه وسلم خطب بذلك في عرفات فيحمل على التعدد .

                                                                                                          ويؤيده أن في حديث ابن عباس ابتدأ به في الخطبة .

                                                                                                          وفي حديث ابن عمر : أجاب به السائل ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تلبسوا القمص ) بضم القاف والميم جمع قميص ، وفي رواية [ ص: 340 ] التنيسي : لا يلبس بالرفع على الأشهر خبر عن حكم الله إذ هو جواب السؤال أو خبر بمعنى النهي وبالجزم على النهي وكسر لالتقاء الساكنين .

                                                                                                          ( ولا العمائم ) جمع عمامة سميت بذلك لأنها تعم جميع الرأس ، ( ولا السراويلات ) جمع سروال فارسي معرب ، والسراوين بالنون لغة وبالشين المعجمة لغة أيضا .

                                                                                                          ( ولا البرانس ) جمع برنس بضم النون ، قال المجد : قلنسوة طويلة أو كل ثوب رأسه منه ، دراعة كان أو جبة .

                                                                                                          ( ولا الخفاف ) بكسر الخاء ، جمع خف ، فنبه بالقميص على كل ما في معناه وهو المخيط ، والمخيط المعمول على قدر البدن ، وبالسراويل على المخيط المعمول على قدر عضو منه كالتبان والقفاز وغيرهما ، وبالعمائم والبرانس على كل ما يغطي الرأس مخيطا أو غيره ، وبالخفاف على كل ما يستر الرجل من مداس وجورب وغيرهما .

                                                                                                          والمراد بتحريم المخيط ما يلبس على الوضع الذي جعل له ولو في بعض البدن ، فلو ارتدى بالقميص مثلا فلا ، قال الخطابي : ذكر العمامة والبرنس معا ليدل على أنه لا يجوز تغطية الرأس لا بالمعتاد ولا بالنادر ومنه المكتل يحمله على رأسه ، قال الحافظ : إن أراد لبسه كالقبع صح ما قال ، وإلا فمجرد وضعه على رأسه على هيئة الحامل له لا يضر في مذهبه كالانغماس في الماء فإنه لا يسمى لابسا ، وكذا ستر الرأس باليد ، وأجمعوا على اختصاص النهي بالرجل ، فيجوز للمرأة لبس جميع ما ذكر حكاه ابن المنذر .

                                                                                                          فإن قيل : السؤال وقع عما يجوز لبسه والجواب وقع عما لا يجوز فما حكمته ؟ أجاب العلماء كما قال النووي : بأن هذا الجواب من بديع الكلام وجزله لأن ما لا يلبس منحصر فصرح به ، وأما الجائز فغير منحصر فقال : لا يلبس كذا أي يلبس ما سواه .

                                                                                                          وقال البيضاوي : أجاب بما لا يلبس ليدل بالالتزام من طريق المفهوم على ما لا يجوز ، وإنما عدل عن الجواب لأنه أحصر وأخصر ، وفيه إشارة إلى أن حق السؤال أن يكون عما لا يلبس لأن الحكم العارض في الإحرام المحتاج لبيانه ، إذ الجواز ثابت بالأصل المعلوم بالاستصحاب فكان اللائق السؤال عما لا يلبس ، قال : وهذا يشبه أسلوب الحكيم ويقرب منه قوله تعالى : ( يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين ) ( سورة البقرة : الآية 215 ) الآية ، فعدل عن جنس المنفق وهو المسئول عنه إلى جنس المنفق عليه لأنه الأهم .

                                                                                                          وقال ابن دقيق العيد : يستفاد منه أن المعتبر في الجواب ما يحصل منه المقصود كيف كان ولو بتغيير أو زيادة ولا تشترط المطابقة .

                                                                                                          قال الحافظ : وهذا كله على هذه الرواية وهي المشهورة عن نافع .

                                                                                                          وقد رواه أبو عوانة من طريق ابن جريج عن نافع بلفظ : " ما يترك المحرم وهي شاذة والاختلاف فيها على ابن جريج لا على نافع .

                                                                                                          ورواه سالم عن ابن عمر بلفظ : " أن رجلا قال : يا رسول الله ما يجتنب المحرم من الثياب ؟ " ، أخرجه أحمد وابن خزيمة وأبو عوانة من طريق معمر عن الزهري بلفظ نافع ، فالاختلاف فيه عن الزهري فقال مرة ما يترك ومرة ما يلبس ، وأخرجه [ ص: 341 ] البخاري من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري بلفظ نافع ، فالاختلاف فيه عن الزهري يشعر بأن بعضهم رواه بالمعنى فاستقامت رواية نافع لعدم الاختلاف فيها واتجه البحث المتقدم وطعن بعضهم في قول من قال إنه من أسلوب الحكيم ، بأنه كان يمكن الجواب بما يحصر أنواع ما يلبس كأن يقال ما ليس بمخيط ، ولا على قدر البدن كالقميص أو بعضه كالسراويل والخف ولا يستر الرأس أصلا ولا يلبس ما مسه يوجب الفدية ( إلا أحدا ) بالنصب عربي جيد ، وروي بالرفع وهو المختار في الاستثناء المتصل بعد النفي وشبهه ( لا يجد نعلين ) زاد معمر عن الزهري عن سالم زيادة حسنة تفيد ارتباط ذكر النعلين بما سبق وهي قوله : وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين فإن لم يجد النعلين ( فليلبس خفين ) ظاهره الوجوب لكنه لما شرع للتسهيل لم يناسب التثقيل وإنما هو للرخصة ، قال الزين بن المنير يستفاد منه جواز استعمال أحد في الإثبات خلافا لمن خصه بضرورة الشعر كقوله :


                                                                                                          وقد ظهرت فلا تخفى على أحد إلا على أحد لا يعرف القمرا



                                                                                                          قال والذي يظهر لي بالاستقراء أن أحدا لا يستعمل في الإثبات إلا أن يعقبه النفي وكان الإثبات حينئذ في سياق النفي ، ونظير هذا زيادة الباء فإنها إنما تكون في النفي ، وقد زيدت في الإثبات الذي هو في سياق النفي كقوله تعالى : ( أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى ) ( سورة الأحقاف : الآية 33 ) ، ( وليقطعهما أسفل من الكعبين ) وهما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم ، وفيه أن واجد النعلين لا يلبس الخفين المقطوعين وهو قول الجمهور ، وأجازه الحنفية وبعض الشافعية .

                                                                                                          قال ابن العربي : إن صارا كالنعلين جاز وإلا فمتى سترا من ظاهر الرجل شيئا لم يجز إلا للفاقد ، وهو من لا يقدر على تحصيله لفقده أو ترك بذل المالك له أو عجزه عن الثمن إن وجد معه ، أو عن الأجرة ولو بيع بغبن لم يلزمه شراؤه ، أو وهب له لم يلزمه قبوله إلا إن أعير له ، وظاهر الحديث أنه لا فدية على من لبسهما إذا لم يجد نعلين ، وقال الحنفية : تجب كما إذا احتاج لحلق رأسه يحلق ويفتدي ، وتعقب بأنها لو وجبت لبينها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه وقت الحاجة ، وأيضا لو وجبت فدية لم يكن للقطع فائدة لأنها تجب إذا لبسهما بلا قطع فإن لبسهما مع وجود نعلين افتدى عند مالك والليث ، وقال أبو يوسف : لا فدية ، وعن الشافعي القولان ، وظاهره أيضا أن قطعهما شرط في جواز لبسهما خلافا للمشهور عن أحمد في إجازة لبسهما بلا قطع لإطلاق حديث ابن عباس وجابر في الصحيحين بلفظ : " ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين " ، وتعقب بأنه يوافق على حمل المطلق على المقيد ، فينبغي أن يقول به هنا فإن حمله عليه جيد لأن التقييد ورد بصيغة الأمر وذلك زيادة [ ص: 342 ] على الصور المطلقة ، فلو عمل بالمطلق الذي هو حديث ابن عباس ألغى الأمر وذلك لا يسوغ ، وزعم بعض الحنابلة نسخ حديث ابن عمر بقول عمرو بن دينار - وقد روى الحديثين - : انظروا أيهما قبل رواه الدارقطني وقال : إن أبا بكر النيسابوري قال : حديث ابن عمر قبل لأنه بالمدينة قبل الإحرام ، وحديث ابن عباس بعرفات .

                                                                                                          وأجاب الشافعي عن هذا في الأم فقال : كلاهما صادق حافظ ، وزيادة ابن عمر لا تخالف ابن عباس لاحتمال أن تكون عزبت عنه أو شك أو قالها فلم ينقلها عنه بعض رواته ، ويؤيده أنه ورد في بعض طرق حديث ابن عباس موافقته لحديث ابن عمر أخرجه النسائي عن ابن عباس مرفوعا بلفظ : " وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين " وإسناده صحيح ، وزيادة الثقة مقبولة ، وبعضهم سلك الترجيح فقال ابن الجوزي : حديث ابن عمر اختلف في رفعه ووقفه ، وحديث ابن عباس لم يختلف في رفعه ، قال الحافظ : وهو مردود فلم يختلف على ابن عمر في رفع الأمر بالقطع إلا في رواية شاذة ، على أنه اختلف في حديث ابن عباس فرواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عنه موقوفا ، ولا يرتاب أحد من المحدثين أن حديث ابن عمر أصح من حديث ابن عباس لأنه جاء بإسناد وصف بأنه أصح الأسانيد ، واتفق عليه عنه غير واحد من الحفاظ منهم نافع وسالم ، بخلاف حديث ابن عباس فلم يأت مرفوعا إلا من رواية جابر بن زيد عنه حتى قال الأصيلي : إنه شيخ بصري لا يعرف مع أنه معروف موصوف بالفقه عند الأئمة ، ومنهم من اعتل بقول عطاء : القطع فساد والله لا يحب الفساد ، وتعقب بأن الفساد إنما يكون فيما نهى عنه الشارع لا فيما أذن فيه ، وحمل ابن الجوزي الأمر بالقطع على الإباحة لا على الاشتراط عملا بالحديثين لا يخفى تكلفه ، ( ولا تلبسوا ) بفتح أوله وثالثه ( من الثياب شيئا مسه الزعفران ) بالتعريف ، وليحيى النيسابوري " زعفران " بالتنكير منون لأنه ليس فيه إلا ألف ونون فقط ، وهو لا يمنع الصرف .

                                                                                                          ( ولا الورس ) بفتح الواو وسكون الراء وسين مهملة ، نبت أصفر طيب الريح يصبغ به .

                                                                                                          وقال ابن العربي : ليس الورس بطيب ، ولكنه نبه به على اجتناب الطيب وما يشبهه في ملايمة الشم فيؤخذ منه تحريم أنواع الطيب على المحرم ، وهو مجمع عليه فيما يقصد به التطيب ، وهذا الحكم شامل للنساء ، قيل : فعدل عما تقدم إشارة إلى اشتراكهما وفيه نظر ، بل الظاهر أن نكتة العدول أن الذي يخالطه الزعفران والورس لا يجوز لبسه سواء كان مما يلبسه المحرم أو لا يلبسه قاله الحافظ ، والظاهر أنه لا تنافي بين النكتتين .

                                                                                                          وقال الولي العراقي : نبه بهما على ما هو أطيب رائحة منهما كالمسك والعنبر ونحوهما ، وإذا حرم في الثوب ففي البدن أولى ، وفي معناه تحريمه في المأكول لأن الناس يقصدون تطييب طعامهم كما يقصدون تطييب لباسهم ، وكل هذا متفق عليه بين العلماء ، وهذا فيما [ ص: 343 ] يقصد للتطيب به ، أما الفواكه كالأترج والتفاح وأزهار البر كالشيح والقيصوم ونحوهما فليس بحرام لأنه لا يقصد للتطيب انتهى .

                                                                                                          لكن في حكاية الاتفاق في المأكول المطيب نظر لأن فيه خلافا عند المالكية .

                                                                                                          وقال الحنفية : لا يحرم لأن الوارد اللبس والتطيب والأكل لا يعد تطيبا .

                                                                                                          قال العلماء : والحكمة في منع المحرم من اللباس والطيب أنه يدعو إلى الجماع ولأنه مناف للحج ، فإن الحاج أغبر ، والقصد عن أن يبعد عن الترفه وزينة الدنيا وملاذها وينجمع همه لمقاصد الآخرة والاتصاف بصفة الخاشع ، وليتذكر القدوم على ربه فيكون أقرب إلى مراقبته وامتناعه من ارتكاب المحظورات ، وليتذكر به الموت ولبس الأكفان ، ويتذكر البعث يوم القيامة حفاة عراة وليتفاءل بتجرده عن ذنوبه .

                                                                                                          وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف وإسماعيل بن أبي أويس ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والنسائي عن قتيبة وابن ماجه عن أبي مصعب ، الستة عن مالك وله طرق عندهم .

                                                                                                          ( قال يحيى : سئل مالك عما ذكر ) فيما رواه مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر ( عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ) من لم يجد نعلين فليلبس خفين ، ( ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل ) وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من طريق جابر بن زيد عن ابن عباس : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : السراويل لمن لا يجد الإزار والخف لمن لا يجد النعلين " ، ( فقال لم أسمع بهذا ولا أرى أن يلبس المحرم سراويل ) على صفة لبسها بلا فتق ( لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى ) في حديث ابن عمر ( عن لبس السراويلات فيما نهى عنه من لبس الثياب التي لا ينبغي ) لا يجوز ( للمحرم أن يلبسها ولم يستثن فيها كما استثنى في الخفين ) فيحمل حديث ابن عباس وجابر على ما إذا فتقه وجعل منه شبه إزار فيجوز كما جاز لبس الخفين المقطوعين أو على حاله لضرورة ستر العورة ، ولكن تجب الفدية عند مالك وأبي حنيفة كما لو اضطر إلى تغطية رأسه فيغطيها ويفتدي جمعا بينه وبين حديث ابن عمر أشار إليهما عياض ، وقول الخطابي : الأصل أن تضييع المال حرام ، والرخصة جاءت في اللبس ، فظاهرها إباحة اللبس المعتاد إباحة لا تقتضي غرامة ، وستر العورة واجب ، فإذا فتق السروال واتزر به لم يسترها والخف لا يغطي عورة إنما هو لباس رفق وزينة فلا يشتبهان فيه نظر ، فالمانع من حمله على ظاهره الذي قال به أحمد والشافعي والجمهور وأنه لا فدية حديث النهي عنها ، وزعمه أنها لا تستر العورة إن فتقت واتزر بها مكابرة ، والغرامة للمحرم بالفدية معهودة [ ص: 344 ] كثيرا وتخييره بين الفتق والاتزار وبين لبسها كما هي والفدية تنفي ضرره .




                                                                                                          الخدمات العلمية