الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
732 - وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تناشد الأشعار في المسجد ، وعن البيع والاشتراء فيه ، وأن يتحلق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة في المسجد .

رواه أبو داود ، والترمذي .

التالي السابق


732 - ( وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ) ، أي : عبد الله بن عمرو بن العاص ( قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تناشد الأشعار ) ، أي : المذمومة ( في المسجد ) : قال التوربشتي : التناشد أن ينشد كل واحد صاحبه نشيدا لنفسه أو لغيره افتخارا ومباهاة ، أو على وجه التفكه بما يستطاب منه ترجية للوقت بما تركن إليه النفس أو لغيره ، فهو مذموم ، وأما ما كان منه في مدح الحق وأهله وذم الباطل وذويه ، أو كان منه تمهيد لقواعد الدين ، أو إرغام لمخالفيه ، فهو خارج عن الذم وإن خالطه التشبيب ، وقد كان يفعل ذلك بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا ينهى عنه لعلمه بالغرض الصحيح ، كذا نقله الطيبي .

وقال ابن الملك : النهي عن ذلك خاص بغير الشعر الحسن ; لأن حسان أنشد بحضرة النبي في المسجد مستحسنا لما أنشده ، وقال ابن حجر : وصح أن حسان وكعب بن زهير كانا ينشدان الشعر في المسجد بحضرته - عليه السلام - ، ومر عمر وحسان ينشد الشعر في المسجد فلحظه ، فقال : كنت أنشده وفيه خير منك ، ثم التفت إلى أبي هريرة ، فقال : أنشدك الله أسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( أجب عني اللهم أيده بروح القدس ) .

وروى أحمد في مسنده أنه - عليه السلام - قال : ( الشعر كالكلام حسنه كحسنه وقبيحه كقبيحه ) ، وعلى هذا حملوا أيضا قوله - عليه السلام - : ( لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير من أن يمتلئ شعرا ) ، وقوله - عليه السلام - : ( من رأيتموه ينشد في المسجد شعرا فقولوا فض الله فاك ) ، ثلاث مرات ، رواه ابن السني ، وفي مختصر النهاية : لا يفضض الله فاك ، أي : لا يسقط أسنانك ، والفض : الكسر ، ( وعن البيع والاشتراء فيه ) : أي في المسجد ، وجوز علماؤنا للمعتكف الشراء بغير إحضار المبيع ، ومن البدع الشنيعة بيع ثياب الكعبة خلف المقام ، وبيع الكتب وغيرها في المسجد الحرام ، وأشنع منه وضع المخلفات والقرب والدبش فيه ، سيما في أيام الموسم ، ووقت ازدحام الناس ، والله ولي أمر دينه ، ولا حول ولا قوة إلا به .

قال ابن حجر : ويكره أيضا الجلوس فيه لحرفة إلا نسخ كتب العلم الشرعي وآلته ، ولو خاط فيه أحيانا فلا بأس ، ورأى عمر رضي الله عنه خياطا في المسجد فأمر بإخراجه فقيل : يا أمير المؤمنين ! إنه يكنس المسجد ويغلق الباب ، فقال عمر : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( جنبوا صناعكم مساجدكم ) ، رواه عبد الحق وضعفه ، وكان عطاء بن يسار إذا مر عليه من يبيع في مسجد قال : عليك بسوق الدنيا فإن هذا سوق الآخرة ، وسمع عمر رضي الله عنه صوت رجل في المسجد فقال : أتدري أين أنت ؟ ( وأن يتحلق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة إلى المسجد ) ، أي : في أن يجلس الناس على هيئة الحلقة يقال : تحلق القوم إذا جلسوا حلقة حلقة ، وعلة النهي أن القوم إذا تحلقوا ، فالغالب عليهم التكلم ورفع الصوت ، وإذا كانوا كذلك لا يستمعون الخطبة وهم مأمورون باستماعها كذا قاله بعضهم ، وقال التوربشتي : النهي يحتمل معنيين أحدهما : أن تلك الهيئة تخالف اجتماع المصلين ، والثاني : أن [ ص: 616 ] الاجتماع للجمعة خطب جليل لا يسع من حضرها أن يهتم بما سواها حتى يفرغ ، وتحلق الناس قبل الصلاة موهم للغفلة عن الأمر الذي ندبوا إليه ، وفي شرح السنة : في الحديث كراهة التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة لمذاكرة العلم ، بل يشتغل بالذكر والصلاة والإنصات للخطبة ، ولا بأس بعد ذلك ، وفي الإحياء يكره الجلوس للحلق قبل الصلاة ، قال الخطابي : وكان بعضهم يروي : نهي عن الحلق قبل الصلاة يوم الجمعة بإسكان اللام ، وأخبرني أنه بقي أربعين سنة لا يحلق رأسه قبل الصلاة ، فقلت له : إنما هو الحلق بفتحها جمع حلقة ، ( رواه أبو داود ، والترمذي ) : وقال : حديث حسن ، ورواه ابن ماجه أيضا ذكره ميرك .




الخدمات العلمية