الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر الحرب بين الخوارج ببلد الموصل

في هذه السنة كان بين هارون الخارجي وبين محمد بن خرزاد ، وهو من الخوارج أيضا ، وقعة ببعدرى من أعمال الموصل .

وسبب ذلك أنا قد ذكرنا ، سنة ثلاث وستين ومائتين الحرب الحادثة بين هارون ، ومحمد بعد موت مساور ، فلما كان الآن جمع محمد بن خرزاد أصحابه وسار إلى هارون محاربا له ، فنزل واسط ، وهي محلة بالقرب من الموصل ، وكان يركب البقر لئلا يفر من القتال ، ويلبس الصوف الغليظ ، ويرقع ثيابه ، وكان كثير العبادة والنسك ، ويجلس على الأرض ليس بينها وبينه حائل .

فلما نزل واسط خرج إليه وجوه أهل الموصل ، وكان هارون بمعلثايا يجمع لحرب محمد ، فلما سمع بنزول محمد عند الموصل سار إليه ورحل ابن خرزاد نحوه ، فالتقوا بالقرب من قرية شمرخ ، واقتتلوا قتالا شديدا كان فيه مبارزة ، وحملات كثيرة ، فانهزم هارون ، وقتل من أصحابه نحو مائتي رجل ، منهم جماعة من الفرسان المشهورين ، ومضى هارون منهزما ، فعبر دجلة إلى الغرب قاصدا بني تغلب ، فنصروه واجتمعوا إليه ، ورجع ابن خرزاد من حيث أقبل ، وعاد هارون إلى الحديثة ، فاجتمع عليه خلق كثير ، وكاتب أصحاب ابن خرزاد ، واستمالهم ، فأتاه منهم الكثير ، ولم يبق مع ابن خرزاد إلا عشيرته من الشمردلية ، وهم من أهل شهرزور ، وإنما فارقه أصحابه لأنه كان [ ص: 390 ] خشن العيش ، وهو ببلد شهرزور ، وهو بلد كثير الأعداء ، من الأكراد وغيرهم .

وكان هارون ببلد الموصل قد صلح حاله وحال أصحابه ، فلما رأى أصحاب ابن خرزاد ذلك مالوا إليه وقصدوه ، وواقع ابن خرزاد بنواحي شهرزور الأكراد الجلالية وغيرهم ، فقتل ، وتفرد هارون ( بالرئاسة على الخوارج ) ، وقوي وكثر أتباعه ، وغلبوا على القرى ، والرساتيق ، وجعلوا على دجلة من يأخذ الزكاة من الأموال المنحدرة والمصعدة ، وبثوا نوابهم في الرساتيق يأخذون الأعشار من الغلات .

التالي السابق


الخدمات العلمية