الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء


              حدثنا محمد بن إبراهيم بن علي ، حدثني أخو أبي عجينة الحافظ محمد بن موسى الحضرمي ، ثنا علان بن المغيرة قال : سمعت أبا صالح يقول : كنا على باب مالك بن أنس ، فامتنع علينا ، فقلنا : ليس يشبه صاحبنا . قال : فسمع مالك كلامنا ، فأدخلنا عليه ، فقال لنا : من صاحبكم ؟ قلنا : الليث بن سعد ، فقال : تشبهوني برجل كتبنا إليه في قليل عصفر نصبغ به ثياب صبياننا ، فأنفذ إلينا ما صبغنا به ثيابنا وثياب صبياننا وثياب جيراننا ، وبعنا الفضلة بألف دينار ؟!

              حدثنا إبراهيم بن محمد بن يحيى ، ثنا محمد بن إسحاق ، قال : سمعت أبا رجاء قتيبة بن سعيد يقول : قفلنا مع الليث بن سعد من الإسكندرية ، وكان معه ثلاث سفائن : سفينة فيها مطبخه ، وسفينة فيها عياله ، وسفينة فيها أضيافه .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا الوليد بن أبان ، ثنا أبو حاتم ، ثنا سليمان بن منصور بن عمار ، قال : سمعت أبي يقول : كنت عند الليث بن سعد يوما جالسا ، فأتته امرأة ومعها قدح فقالت : يا أبا الحارث ، إن زوجي يشتكي ، وقد نعت له العسل ، فقال : اذهبي إلى أبي قسيمة فقولي له يعطيك مطرا من عسل ، فذهبت ، فلم ألبث أن جاء أبو قسيمة ، فساره بشيء لا أدري ما قال له ، فرفع رأسه إليه فقال : اذهب فأعطها مطرا ، إنها سألت بقدرها ، وأعطيناها [ ص: 320 ] بقدرنا . والمطر : الفرق ، والفرق : عشرون ومائة رطل .

              حدثنا محمد بن علي ، ثنا عبد الله بن كوته الأصبهاني - بمكة - ثنا الحسن بن يزيد ، ثنا يحيى بن حماد ، قال : جاءت امرأة إلى الليث بن سعد فقالت : إن لي أخا نعت له العسل ، فهب لي سكرجة . فقال : يا غلام ، املأ سكرجتها عسلا ، وأعطها زقا من عسل ، فقال : إنها سألت سكرجة . قال : سألت بقدرها ، وأعطيناها بقدرنا ، وحق لي ذلك ، إنني امرؤ من أهل أصبهان .

              حدثنا عمرو بن شاهين ، ثنا ابن أبي داود ، قال : سمعت أبي يقول : قال قتيبة بن سعيد : جاءت امرأة إلى الليث . فذكر نحوه .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أبو مسلم البزار ، ثنا القاسم بن موسى الوراق ، ثنا محمد بن موسى الصائغ ، قال : سمعت منصور بن عمار يقول : كان الليث بن سعد إذا تكلم بمصر أحد قفاه ، فتكلمت في مسجد الجامع يوما ، فإذا رجلان قد دخلا من باب المسجد ، فوقفا على الحلقة ، فقالا : من المتكلم ؟ فأشاروا إلي ، فقالا : أجب أبا الحارث الليث ، فقمت وأنا أقول : واسوأتاه ، ألقى من مرلد هكذا ؟ فلما دخلت على الليث سلمت ، فقال لي : أنت المتكلم في المسجد ؟ قلت : نعم رحمك الله . فقال لي : اجلس ورد علي الكلام الذي تكلمت به ، فأخذت في ذلك المجلس بعينه ، فرق الشيخ وبكى ، وسري عني ، وأخذت في صفة الجنة والنار ، فبكى الشيخ حتى رحمته ، ثم قال لي بيده : اسكت ، فقال لي : ما اسمك ؟ قلت : منصور . قال : ابن من ؟ قلت : ابن عمار ، قال : أنت أبو السري ؟ قلت : نعم ، قال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك ، ثم قال : يا جارية ، فجاءت فوقفت بين يديه ، فقال لها : جيئيني بكيس كذا وكذا ، فجاءت بكيس فيه ألف دينار ، فقال : يا أبا السري ، خذ هذا إليك ، وصن هذا الكلام أن تقف به على أبواب السلاطين ، ولا تمدحن أحدا من المخلوقين بعد مدحتك لرب العالمين ، ولك في كل سنة مثلها ، قلت : رحمك الله ، قد أنعم إلي وأحسن ، قال : لا ترد علي شيئا أصلك به ، فقبضتها وخرجت ، قال : لا تبطئ علي ، فلما كان في الجمعة الثانية أتيته ، فقال لي : اذكر شيئا ، فأخذت في مجلس لي ، فتكلمت ، فبكى الشيخ وكثر بكاؤه ، فلما أردت أن أقوم قال : انظر ما في ثني [ ص: 321 ] الوسادة ، فإذا خمسمائة دينار ، فقلت : رحمك الله ، عهدي بصلتك بالأمس ، قال : لا ترد علي شيئا أصلك به ، متى أراك ؟ قلت : الجمعة الداخلة ، قال : كأنك فتت عضوا من أعضائي ، فلما كانت الجمعة الداخلة أتيته مودعا ، فقال لي : خذ في شيء أذكرك به ، فتكلمت فبكى الشيخ وكثر بكاؤه ، ثم قال لي : يا منصور ، انظر ما في ثني الوسادة ، فإذا ثلاثمائة دينار ، قال : أعدها للحج ، ثم قال : يا جارية ، هاتي ثياب إحرام ، إحرام منصور فجاءت بإزار فيه أربعون ثوبا ، قلت : رحمك الله أكتفي بثوبين ، فقال لي : أنت رجل كريم ، فيصحبك قوم ، فأعطهم ، وقال للجارية التي تحمل الثياب معه : وهذه الجارية لك " .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جع -فر ، ثنا الوليد بن أبان ، ثنا أبو حاتم سليم بن منصور ، قال : سمعت أبي ، يقول : " دخلت على الليث بن سعد يوما وعلى رأسه خادم يغمزه ، فخرج ثم ضرب الليث بيده إلى مصلاه ، فاستخرج من تحته كيسا فيه ألف دينار ، ثم رمى بها إلي ، ثم قال : يا أبا السري ، لا تعلم بها ابني ، فتهون عليه " .

              حدثنا عبد الله بن جعفر ، ثنا إسماعيل بن عبد الله ، حدثني عبد الله بن صالح ، قال : " صحبت الليث عشرين سنة لا يتغدى ، ولا يتعشى وحده إلا مع الناس ، وكان لا يأكل اللحم إلا أن يمرض " .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا ابن صبيح ، ثنا إسماعيل بن يزيد ، قال : سمعت بعض أصحابنا يقول : " كان الليث بن سعد من أهل أصبهان من فارس " .

              حدثنا عبد الله ، قال : سمعت أبا الحسن بن الطحان ، يقول : سمعت ابن زغبة يقول : سمعت الليث بن سعد ، يقول : " نحن من أهل أصبهان ، فاستوصوا بهم خيرا " .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أحمد بن أبي يحيى الحضرمي ، ثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد ، قال : سمعت أسد بن موسى ، يقول : " كان عبد الله بن علي يطلب بني أمية ، فيقتلهم ، فلما دخلت مصر دخلتها في هيئة رثة ، فدخلت على الليث بن سعد ، فلما فرغت من مجلسه خرجت ، فتبعني خادم له في دهليزه ، فقال : اجلس حتى أخرج إليك ، فجلست ، فلما خرج إلي وأنا وحدي دفع إلي صرة فيها مائة دينار ، فقال : يقول لك مولاي : أصلح بهذه النفقة بعض أمرك [ ص: 322 ] ولم من شعثك ، وكان في حوزتي هميان فيه ألف دينار ، فأخرجت الهميان ، فقلت : أنا عنها في غنى ، استأذن لي على الشيخ ، فاستأذن لي ، فدخلت فأخبرته بنسبي ، واعتذرت إليه من ردها وأخبرته بما مضى ، فقال : هذه صلة وليست بصدقة ، فقلت : أكره أن أعود نفسي عادة ، وأنا في غنى ، فقال : ادفعها إلى بعض أصحاب الحديث ممن تراه مستحقا لها ، فلم يزل بي حتى أخذتها ففرقتها على جماعة " .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا مطلب بن شعيب ، قال : سمعت عبد الله بن صالح ، يقول : سمعت الليث بن سعد ، يقول : " لما قدمت على هارون الرشيد ، قال لي : يا ليث ، ما صلاح بلدكم ؟ قلت : " يا أمير المؤمنين ، صلاح بلدنا بإجراء النيل ، وإصلاح أميرها ، ومن رأس العين يأتي الكدر ، فإذا صفا رأس العين صفت السواقي " ، فقال : صدقت يا أبا الحارث " .

              حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن جعفر ، وأحمد بن إسحاق ، قالا : ثنا إسحاق بن إسماعيل الرملي ، قال : سمعت ابن رميح ، يقول : " كان دخل الليث بن سعد في كل سنة ثمانين ألف دينار ، ما أوجب الله تعالى عليه درهما بزكاة قط " .

              حدثنا عمر بن عبد الله بن سهل ، ثنا محمد بن أحمد بن يزيد الزهري ، ثنا أبان بن يزيد ، ثنا سليم بن منصور ، قال : سمعت أبي يقول : " كان الليث بن سعد يستغل في كل سنة خمسين ألف دينار ، فيحول عليه الحول وعليه دين " .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا عبد الملك بن يحيى بن بكير ، قال : سمعت أبي ، يقول : " وصل الليث بن سعد ثلاثة أنفس بثلاثة آلاف دينار ، احترقت دار ابن لهيعة ، فبعث إليه بألف دينار ، وحج فأهدى إليه مالك بن أنس رطبا على طبق فرد إليه على الطبق ألف دينار ، ووصل منصور بن عمار القاضي بألف دينار ، وقال : لا تسمع بهذا ابني فتهون عليه ، فبلغ ذلك شعيب بن الليث ، فوصله بألف دينار إلا دينارا ، وقال : إنما نقصتك هذا الدينار لئلا أساوي الشيخ في عطيته " .

              حدثنا عمر بن شاهين ، ثنا ابن داود ، قال : سمعت أبي ، يقول : قال قتيبة بن سعيد : " كان الليث يستغل عشرين ألف دينار كل سنة ، وما وجب عليه زكاة قط ، وأعطى ابن لهيعة ألف دينار ، وأعطى مالك بن أنس [ ص: 323 ] ألف دينار ، وأعطى منصور بن عمار ألف دينار ، وجارية تساوي ثلاثمائة دينار " .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية