الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3306 7 - حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن شعبة، حدثني عبد الملك، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما: إلا المودة في القربى. قال: فقال سعيد بن جبير: قربى محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا وله فيه قرابة، فنزلت عليه: إلا أن تصلوا قرابة بيني وبينكم.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  وجه ذكر هذه عقيب الحديث السابق أن المذكور فيه أن الناس تبع لقريش، وفيه تفضيلهم على غيرهم، والمذكور في هذا أنه لم يكن بطن من قريش إلا وللنبي صلى الله تعالى عليه وسلم فيه قرابة، فيقتضي هذا تفضيله على الكل، ويحيى هو القطان، وعبد الملك هو ابن ميسرة أبو زيد الزراد.

                                                                                                                                                                                  وهذا الحديث ذكره في التفسير في " حم عسق ". حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت طاوسا، عن ابن عباس ، أنه سئل عن قوله: إلا المودة في القربى فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد، فقال ابن عباس: عجلت؛ إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا فإن له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة . وأخرجه الترمذي أيضا في التفسير عن ابن بشار به. وقال: حسن صحيح. وأخرجه النسائي فيه، عن إسحاق بن إبراهيم، عن غندر به.

                                                                                                                                                                                  قوله: " إلا المودة في القربى "، وقبله: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى لما أوحى الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب الشريف قال: قل لهم يا محمد: لا أسألكم عليه، أي: لا أطلب من هذا التبليغ المال والجاه، ولا نفعا عاجلا، ولا مطلوبا حاضرا؛ لئلا يتوهم أنه صلى الله عليه وسلم يطلب من هذا التبليغ حظا من الحظوظ، وعن قتادة: اجتمع المشركون في مجمع لهم، فقال بعضهم لبعض: أترون أن محمدا يسأل على ما يتعاطاه أجرا.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 71 ] فأنزل الله تعالى هذه الآية يحثهم على مودته ومودة أقربائه... قوله: " إلا المودة في القربى ". يجوز أن يكون استثناء متصلا، أي: لا أسألكم أجرا إلا هذا، وهو أن لا تؤذوا أهل قرابتي، ولم يكن هذا أجرا في الحقيقة؛ لأن قرابته قرابتهم، وكانت صلتهم لازمة لهم في المودة، ويجوز أن يكون استثناء منقطعا، أي: لا أسألكم أجرا قط، ولكن أسألكم أن تودوا قرابتي الذين هم قرابتكم ولا تؤذوهم.

                                                                                                                                                                                  واختلف المفسرون في ذلك على أقوال: أحدها: محبة قرابة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وهم أهل بيته من آل هاشم فمن بعدهم من أهل البيت. والثاني: مودة قريش. والثالث: المراد علي وفاطمة وولداها ذكر في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه قال ابن عباس. والرابع: قاله عكرمة، كانت قريش تصل الرحم، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم، وبه قطعته، فقال: صلوني كما كنتم تفعلون، فالمعنى لكن أذكركم قرابتي. والخامس: مودة من يتقرب إلى الله عز وجل، وهو رأي الصوفية.

                                                                                                                                                                                  قوله: " إلا أن تصلوا "، أي: إلا صلة الأرحام... قوله: " فنزلت عليه "، أي: على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، (فإن قلت): هذا لم ينزل. قلت: نزل معناه، وهو قوله تعالى: إلا المودة في القربى وتقديره إلا المودة ثابتة في أهل القربى، وقيل: الضمير في نزلت راجع إلى الآية التي فيها إلا المودة في القربى وقوله: " إلا أن تصلوا " تفسير لها.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية