الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3308 9 - حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الفخر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم، والإيمان يمان، والحكمة يمانية.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مر الكلام في وجه المطابقة في أول الحديث السابق، وأبو اليمان الحكم بن نافع، والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن أبي اليمان، به.

                                                                                                                                                                                  قوله: " والخيلاء "، بضم الخاء وكسرها الكبر والعجب، يقال: فيه خيلاء، ومخيلة، أي: كبر، ومنه اختال فهو مختال. وقال الداودي. قوله: والفخر والخيلاء في الفدادين، وهم وإنما نسب إليهم الجفاء، وهما في أصحاب الخيل... قوله: " والسكينة " هو السكون والوقار... قوله: " يمان " أصله يمني حذف إحدى الياءين، وعوض منهما الألف، فصار يمان، وهي اللغة الفصحى، ثم يمني، ثم يماني بزيادة الألف ذكرها سيبويه، وحكى الجوهري وصاحب المطالع [ ص: 72 ] وغيرهما عن سيبويه أنه حكى عن بعض العرب أنهم يقولون: اليماني بالياء المشددة. وقال القاضي وغيره: قد صرفوا قوله: الإيمان يمان عن ظاهره من حيث إن مبدأ الإيمان من مكة، ثم من المدينة.

                                                                                                                                                                                  وحكى أبو عبيد فيه أقوالا: أحدها: أنه أراد بذلك مكة، فإنه يقال: إن مكة من تهامة، وتهامة من أرض اليمن. والثاني: المراد مكة والمدينة؛ فإنه يروى ما في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام وهو بتبوك، ومكة ومدينة حينئذ بينه وبين اليمن فأشار إلى ناحية اليمن، وهو يريد مكة والمدينة، فقال: الإيمان يمان، ونسبها إلى اليمن لكونها حينئذ من ناحية اليمن، كما قالوا: الركن اليماني، وهو بمكة لكونه إلى ناحية اليمن. والثالث: ما ذهب إليه كثير من الناس، وهو أحسنها أن المراد بذلك الأنصار؛ لأنهم يمانيون في الأصل، فنسب الإيمان إليهم لكونهم أنصاره، واعترض عليه الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح، فقال ما ملخصه: إنه لو نظر إلى طرق الأحاديث لما ترك ظاهر الحديث. منها قوله عليه السلام: أتاكم أهل اليمن والأنصار من جملة المخاطبين بذلك فهم إذا غيرهم. ومنها قوله عليه السلام: جاء أهل اليمن، وإنما جاء حينئذ غير الأنصار، فحينئذ لا مانع من إجراء الكلام على ظاهره وحمله على الحقيقة؛ لأن من اتصف بشيء، وقوي قيامه به نسب ذلك الشيء إليه إشعارا بتمييزه به وكمال حاله فيه، وهكذا كان حال أهل اليمن حينئذ في الإيمان، وليس في ذلك نفي له عن غيرهم فلا منافاة بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم: إن الإيمان ليأرز إلى الحجاز. ويروى: الإيمان في أهل الحجاز؛ لأن المراد بذلك الموجود منهم حينئذ لا كل أهل اليمن في كل زمان، فإن اللفظ لا يقتضيه. قوله: " والحكمة يمانية " الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على المعرفة بالله عز وجل المصحوب بنفاذ البصيرة، وتهذيب النفس، وتحقيق الحق، والعمل به، والصد عن اتباع الهوى والباطل، والحكيم من له ذلك. وقال ابن دريد: كل كلمة وعظتك أو زجرتك أو دعتك إلى مكرمة، أو نهتك عن قبيح فهي حكمة وحكم، ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم-: إن من الشعر حكمة. وفي بعض الروايات: حكما.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية