الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما الثاني ) وهو بيان كيفية ما يعتبر به انقضاء هذه العدة فجملة الكلام فيه أن سبب وجوب هذه العدة من الوفاة ، والطلاق ، ونحو ذلك إذا اتفق في غرة الشهر اعتبرت الأشهر بالأهلة ، وإن نقصت عن العدد في قول أصحابنا جميعا ; لأن الله تعالى أمر بالعدة بالأشهر بقوله عز وجل { فعدتهن ثلاثة أشهر } وقوله عز وجل { أربعة أشهر وعشرا } فلزم اعتبار الأشهر ، والشهر قد يكون ثلاثين يوما وقد يكون تسعة ، وعشرين يوما بدليل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { الشهر هكذا ، وهكذا ، وهكذا ، وأشار بأصابع يديه كلها ، ثم قال : الشهر هكذا ، وهكذا ، وهكذا ، وحبس إبهامه في المرة الثالثة }

                                                                                                                                وإن كانت الفرقة في بعض الشهر [ ص: 196 ] اختلفوا فيه ، قال أبو حنيفة يعتبر بالأيام فتعتد من الطلاق ، وأخواته تسعين يوما ، ومن الوفاة مائة ، وثلاثين يوما ، وكذلك قال في صوم الشهرين المتتابعين إذا ابتدأ الصوم في نصف الشهر .

                                                                                                                                وقال محمد : تعتد بقية الشهر بالأيام ، وباقي الشهور بالأهلة ، وتكمل الشهر الأول من الشهر الأخير بالأيام .

                                                                                                                                وعن أبي يوسف روايتان : في رواية مثل قول أبي حنيفة ، وفي رواية مثل قول محمد ، وهو قوله الأخير .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهما أن المأمور به هو الاعتداد بالشهر ، والأشهر اسم الأهلة فكان الأصل في الاعتداد هو الأهلة قال الله تعالى { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس ، والحج } جعل الهلال لمعرفة المواقيت ، وإنما يعدل إلى الأيام عند تعذر اعتبار الهلال في الشهر الأول فعدلنا عنه إلى الأيام ولا تعذر في بقية الأشهر فلزم اعتبارها بالأهلة ، ولهذا اعتبرنا كذلك في باب الإجارة إذا وقعت في بعض الشهر .

                                                                                                                                كذا ههنا ، ولأبي حنيفة أن العدة يراعى فيها الاحتياط فلو اعتبرناها في الأيام لزادت على الشهور ولو اعتبرناها بالأهلة لنقصت عن الأيام فكان إيجاب الزيادة أولى احتياطا بخلاف الإجارة ; لأنها تمليك المنفعة ، والمنافع توجد شيئا فشيئا على حسب حدوث الزمان فيصير كل جزء منها كالمعقود عليه عقدا مبتدأ فيصير عند استهلاك الشهر كأنه ابتدأ العقد فيكون بالأهلة بخلاف العدة فإن كل جزء منها ليس كعدة مبتدأة .

                                                                                                                                وأما الإيلاء في بعض الشهر فقد ذكرنا الاختلاف بين أبي يوسف ، وزفر في كيفية اعتبار الشهر فيه أن على قول أبي يوسف يعتبر بالأيام فيكمل مائة ، وعشرين يوما ولا ينظر إلى نقصان الشهر ولا إلى تمامه .

                                                                                                                                وعند زفر يعتبر بالأهلة .

                                                                                                                                ( وجه ) قوله أن مدة الإيلاء كمدة العدة ; لأن كل واحد منهما يتعلق به البينونة ، ، ولأبي يوسف أن اعتبار الأيام في مدة الإيلاء يوجب تأخير الفرقة ، واعتبار الأشهر يوجب التعجيل فوقع الشك في وقوع الطلاق ، فلا يقع بالشك كمن علق طلاق امرأته بمدة في المستقبل ، وشك في المدة بخلاف العدة ; لأن الطلاق هناك واقع بيقين ، وحكمه متأجل ، فإذا وقع الشك في التأجيل لا يتأجل بالشك .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية