الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
656 [ ص: 146 ] حديث سادس عشر لهشام بن عروة

مالك عن هشام بن عروة ، عن أبيه أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله ، إني رجل أصوم أفأصوم في السفر ؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر .

التالي السابق


هكذا قال يحيى : عن مالك عن هشام ، عن أبيه أن حمزة بن عمرو ، وقال سائر أصحاب مالك : عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال : يا رسول الله ، أصوم في السفر ؟ وكان كثير الصيام .

والحديث محفوظ عن هشام عن أبيه عن عائشة ، كذلك رواه جماعة عن هشام منهم : ابن عيينة وحماد بن سلمة ومحمد بن عجلان وعبد الرحيم بن سليمان ، ويحيى القطان ، ويحيى بن هاشم ، ويحيى بن عبد الله بن سالم وعمرو بن هاشم ، وابن نمير ، وأبو أسامة ، ووكيع وأبو معاوية بن سعد ، وأبو ضمرة ، وأبو إسحاق الفزاري ، كلهم رووه عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، كما رواه جمهور أصحاب مالك عن مالك عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة .

ورواه أبو معشر المدني ، وجرير بن عبد الحميد ، والمفضل بن فضالة ، كلهم عن هشام ، عن أبيه أن حمزة بن عمرو كما رواه يحيى عن مالك سواء .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن الجهم قال : حدثنا عبد الوهاب قال : أخبرنا أبو معشر المدني ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال : جئت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألته فقلت : يا رسول الله ، إني رجل أصوم أفأصوم في السفر ؟ قال : إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر .

[ ص: 147 ] وروى ابن وهب في موطئه قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير ، عن أبي مراوح عن حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال : يا رسول الله ، أجد بي قوة على الصيام في السفر ، فهل علي من جناح ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هي رخصة من الله ، فمن أخذ بها فحسن ، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ، فهذا أبو الأسود ، وهو ثبت في عروة وغيره قد خالف هشاما ، فجعل الحديث عن عروة ، عن أبي مراوح عن حمزة وهشام يجعله عن عروة ، عن عائشة .

وفي رواية أبي الأسود ما يدل على أن رواية يحيى ليست بخطأ ، وقد روى سليمان بن يسار هذا الحديث عن حمزة بن عمرو الأسلمي ، وسنه قريب من سن عروة والحديث صحيح لعروة ، وقد يجوز أن يكون عروة سمعه من عائشة ، ومن أبي مراوح جميعا عن حمزة ، فحدث به عن كل واحد منهما وأرسله أحيانا والله أعلم .

وفي هذا الحديث التخيير للصائم في رمضان ، إن شاء أن يصوم في سفره ، وإن شاء أن يفطر ، وهو أمر مجتمع عليه من جماعة فقهاء الأمصار ، وهو الصحيح في هذا الباب .

وذكر عبد الرزاق عن معمر ، عن أيوب قال : دعا عمر بن عبد العزيز سالم بن عبد الله وعروة بن الزبير فسألهما عن الصيام في السفر ، فقال عروة : يصوم ، وقال سالم : لا يصوم ، فقال عروة : إنما أحدث عن عائشة ، وقال سالم : [ ص: 148 ] إنما أحدث عن عبد الله بن عمر ، قال : فلما امتريا قال عمر : اللهم غفرا ، صمه في اليسر وأفطره في العسر .

وقد بينا ما في هذه المسألة من التنازع بين السلف وما فيها بين الخلف من الاختلاف في الأفضل من الصوم أو الفطر في السفر في رمضان ، وأوضحنا المعاني في ذلك وبسطناها في غير موضع من كتابنا هذا ، منها باب حميد الطويل وباب ابن شهاب عن عبيد الله ، وباب سمي ، والله الموفق للصواب لا شريك له .




الخدمات العلمية