الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
16141 7115 - (16577) - (4\58 - 59) عن ربيعة الأسلمي قال : كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : " يا ربيعة ، ألا تزوج؟ " ، قال : قلت : والله لا يا رسول الله ما أريد أن أتزوج ، ما عندي ما يقيم المرأة ، وما أحب أن يشغلني عنك شيء ، فأعرض عني فخدمته ما خدمته ثم قال لي الثانية : " يا ربيعة ، ألا تزوج؟ " ، فقلت : ما أريد أن أتزوج ، ما عندي ما يقيم المرأة ، وما أحب أن يشغلني عنك شيء ، فأعرض عني ، ثم رجعت إلى نفسي فقلت : والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما يصلحني في الدنيا والآخرة أعلم مني ، والله لئن قال : تزوج لأقولن : نعم يا رسول الله ، مرني بما شئت ، قال : فقال : " يا ربيعة ، ألا تزوج؟ " ، فقلت : بلى مرني بما شئت ، قال : " انطلق إلى آل فلان حي من الأنصار - وكان فيهم تراخ - عن النبي صلى الله عليه وسلم فقل لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم يأمركم أن تزوجوني فلانة لامرأة منهم " ، فذهبت فقلت لهم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم ، يأمركم أن تزوجوني فلانة فقالوا : مرحبا برسول الله ، وبرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله لا يرجع رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بحاجته فزوجوني وألطفوني ، وما سألوني البينة ، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حزينا ، فقال لي : " ما لك يا ربيعة؟ " ، فقلت : يا رسول الله ، أتيت قوما كراما فزوجوني ، وأكرموني وألطفوني وما سألوني بينة ، وليس عندي صداق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا بريدة الأسلمي ، اجمعوا له وزن نواة من ذهب " ، قال : فجمعوا لي وزن نواة من ذهب ، فأخذت ما جمعوا لي فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " اذهب بهذا إليهم فقل : هذا صداقها " ، فأتيتهم فقلت : هذا صداقها فرضوه وقبلوه ، وقالوا : كثير طيب ، قال : ثم رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم حزينا فقال : " يا ربيعة ، ما لك حزينا؟ " ، فقلت : يا رسول الله ، ما رأيت قوما أكرم منهم رضوا بما آتيتهم [ ص: 412 ] وأحسنوا وقالوا : كثيرا طيبا ، وليس عندي ما أولم ، قال : " يا بريدة ، اجمعوا له شاة " ، قال : فجمعوا لي كبشا عظيما سمينا ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اذهب إلى عائشة فقل لها : فلتبعث بالمكتل الذي فيه الطعام " ، قال : فأتيتها فقلت لها ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : هذا المكتل فيه تسع آصع شعير لا والله إن أصبح لنا طعام غيره ، خذه فأخذته ، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بما قالت عائشة ، فقال : " اذهب بهذا إليهم فقل : ليصبح هذا عندكم خبزا " ، فذهبت إليهم ، وذهبت بالكبش ، ومعي أناس من أسلم فقال : ليصبح هذا عندكم خبزا ، وهذا طبيخا ، فقالوا : أما الخبز فسنكفيكموه وأما الكبش فاكفونا أنتم ، فأخذنا الكبش أنا وأناس من أسلم فذبحناه وسلخناه ، وطبخناه ، فأصبح عندنا خبز ، ولحم فأولمت ، ودعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني بعد ذلك أرضا ، وأعطى أبا بكر أرضا ، وجاءت الدنيا فاختلفنا في عذق نخلة فقلت : أنا هي في حدي ، وقال أبو بكر : هي في حدي ، فكان بيني وبين أبي بكر كلام ، فقال لي أبو بكر كلمة كرهها وندم ، فقال لي : يا ربيعة رد علي مثلها حتى تكون قصاصا ، قال : قلت : لا أفعل ، فقال أبو بكر : لتقولن أو لأستعدين عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : ما أنا بفاعل ، قال : ورفض الأرض وانطلق أبو بكر رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وانطلقت أتلوه ، فجاء ناس من أسلم فقالوا لي : رحم الله أبا بكر ، في أي شيء يستعدي عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قال لك ما قال ، فقلت : أتدرون ما هذا؟ هذا أبو بكر الصديق ، هذا ثاني اثنين ، وهذا ذو شيبة المسلمين ، إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب لغضبه ، فيغضب الله عز وجل لغضبهما فيهلك ربيعة ، قالوا : ما تأمرنا؟ قال : ارجعوا ، قال : فانطلق أبو بكر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبعته وحدي ، حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه الحديث كما كان ، فرفع إلي رأسه فقال : " يا ربيعة ، [ ص: 413 ] ما لك وللصديق؟ " ، قلت : يا رسول الله ، كان كذا كان كذا ، قال لي كلمة كرهها فقال لي : قل كما قلت حتى يكون قصاصا فأبيت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أجل فلا ترد عليه ، ولكن قل : غفر الله لك يا أبا بكر " ، فقلت : غفر الله لك يا أبا بكر ، قال الحسن : فولى أبو بكر رضي الله عنه وهو يبكي .

التالي السابق


* قوله : "ألا تزوج؟" : أصله تتزوج - بالتاءين - حذفت إحداهما .

* "أن يشغلني" : - بفتح حرف المضارعة والغين - ، وأشغلني لغة ردية ، يريد : أن مقصوده المداومة على خدمته صلى الله عليه وسلم ، وأمر المرأة يكون شاغلا عن ذلك . "

* "الثانية" : أي : المرة الثانية .

* "ثم رجعت إلى نفسي" : أي : بالمشورة .

* "تراخي" : أي : تأخر في الحضور عنده صلى الله عليه وسلم؟ بأن مضت أيام وما حضروا فيها ، أو المراد : البعد مكانا; أي : كانت منازلهم بعيدة ، أو أنهم تأخروا عن الطاعة في أمر ، والله تعالى أعلم .

* "البينة" : على المهر .

* "اجمعوا" : الخطاب له ولقبيلته .

* "وزن نواة" : ظاهره أنه كان لهم وزن معلوم بهذا الاسم .

* "بما آتيتهم" : - بالمد - ; أي : بما أعطيتهم .

* "وقالوا كثيرا طيبا" : - بالنصب - ; أي : أعطيت كثيرا طيبا .

* "إن أصبح" : - بكسر همزة "إن" على أنها نافية .

* "فسنكفيكموه" : أي : نحن نقوم بأمره; أي نحن نخبز ، وأنتم اطبخوا; ليتم الأمر بسهولة .

* "فاختلفنا" : أي : أنا وأبو بكر .

[ ص: 414 ] * "في عذق نخلة" : - بفتح العين - : هي النخلة ، والإضافة للبيان .

* "كرهها" : أي : قالها حالة الغضب ، ثم ندم عليها .

* "ذو شيبة المسلمين" : أي : ذو رئاستهم .

* "إياكم" : أي : وأن تنصروني .

* "لا يلتفت . . . إلخ" : النفي متوجه إلى المجموع; أي : لا يتحقق هذا المجموع ، وهو "أن يلتفت إليكم فيراكم إلخ" .

وفي "المجمع" : رواه أحمد ، والطبراني ، وفيه مبارك بن فضالة ، وحديثه حسن ، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح .

* * *




الخدمات العلمية