الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا يعني بالتربص زمان العدة في المتوفى زوجها ، وقيل في زيادة العشرة على الأشهر الأربعة ما قاله سعيد بن المسيب وأبو العالية أن الله تعالى ينفخ الروح في العشرة ، ثم ذكر العشر بالتأنيث تغليبا لليالي على الأيام إذا اجتمعت لأن ابتداء الشهور طلوع الهلال ودخول الليل ، فكان تغليب الأوائل على الثواني أولى. واختلفوا في وجوب الإحداد فيها على قولين: أحدهما: أن الإحداد فيها واجب ، وهو قول ابن عباس ، والزهري. والثاني: ليس بواجب ، وهو قول الحسن . روى عبد الله ابن شداد بن الهاد ، عن أسماء بنت عميس قالت: لما أصيب جعفر بن أبي طالب ، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تسلبي ثلاثا ثم اصنعي ما شئت) . والإحداد: الامتناع من الزينة ، والطيب ، والترجل ، والنقلة. [ ص: 303 ]

                                                                                                                                                                                                                                        ثم قال تعالى: فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف فإن قيل: فما المعنى في رفع الجناح عن الرجال في بلوغ النساء أجلهن؟ ففيه جوابان: أحدهما: أن الخطاب توجه إلى الرجال فيما يلزم النساء من أحكام العدة ، فإذا بلغن أجلهن ارتفع الجناح عن الرجال في الإنكار عليهن وأخذهن بأحكام عددهن. والثاني: أنه لا جناح على الرجال في نكاحهن بعد انقضاء عددهن. ثم قوله تعالى: فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف تأويلان: أحدهما: من طيب ، وتزين ، ونقلة من مسكن ، وهو قول أبي جعفر الطبري. والثاني: النكاح الحلال ، وهو قول مجاهد. وهذه الآية ناسخة لقوله تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج [البقرة: 240] فإن قيل: فهي متقدمة والناسخ يجب أن يكون متأخرا ، قيل: هو في التنزيل متأخر ، وفي التلاوة متقدم. فإن قيل: فلم قدم في التلاوة مع تأخره في التنزيل؟ قيل: ليسبق القارئ إلى تلاوته ومعرفة حكمه حتى إن لم يقرأ ما بعده من المنسوخ أجزأه.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية