الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      عبد الرحمن بن القاسم ( خ ، س )

                                                                                      عالم الديار المصرية ومفتيها أبو عبد الله العتقي مولاهم المصري صاحب مالك الإمام .

                                                                                      روى عن مالك ، وعبد الرحمن بن شريح ، ونافع بن أبي نعيم المقرئ ، وبكر بن مضر ، وطائفة قليلة .

                                                                                      وعنه : أصبغ ، والحارث بن مسكين ، وسحنون ، وعيسى بن مثرود ، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، وآخرون [ ص: 121 ]

                                                                                      وكان ذا مال ودنيا ، فأنفقها في العلم ، وقيل : كان يمتنع من جوائز السلطان ، وله قدم في الورع والتأله .

                                                                                      قال النسائي : ثقة مأمون .

                                                                                      وقال الحارث بن مسكين : سمعته يقول : اللهم امنع الدنيا مني ، وامنعني منها .

                                                                                      وعن مالك : أنه ذكر عنده ابن القاسم ، فقال : عافاه الله ، مثله كمثل جراب مملوء مسكا .

                                                                                      وقيل : إن مالكا سئل عنه ، وعن ابن وهب ، فقال : ابن وهب رجل عالم ، وابن القاسم فقيه .

                                                                                      وعن أسد بن الفرات قال : كان ابن القاسم يختم كل يوم وليلة ختمتين . قال : فنزل بي حين جئت إليه عن ختمة رغبة في إحياء العلم .

                                                                                      وبلغنا عن ابن القاسم قال : خرجت إلى الحجاز اثنتي عشرة مرة ، أنفقت في كل مرة ألف دينار .

                                                                                      وعن ابن القاسم قال : ليس في قرب الولاة ولا في الدنو منهم خير .

                                                                                      أحمد ابن أخي ابن وهب : حدثنا عمي قال : خرجت أنا وابن القاسم بضع عشرة سنة إلى مالك ، فسنة أسأل أنا مالكا ، وسنة يسأله ابن القاسم . وروى الحارث بن مسكين عن أبيه قال : كان ابن القاسم وهو [ ص: 122 ] حدث في العبادة أشهر منه في العلم . ثم قال الحارث : كان في ابن القاسم العبادة والسخاء والشجاعة والعلم والورع والزهد .

                                                                                      محمد بن وضاح : أخبرني ثقة ثقة ، عن علي بن معبد ، قال : رأيت ابن القاسم في النوم ، فقلت : كيف وجدت المسائل ؟ فقال : أف أف . قلت : فما أحسن ما وجدت ؟ قال : الرباط بالثغر . قال : ورأيت ابن وهب أحسن حالا منه .

                                                                                      وقال سحنون : رأيته في النوم ، فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : وجدت عنده ما أحببت قلت : فأي عمل وجدت ؟ قال : تلاوة القرآن

                                                                                      قلت : فالمسائل ؟ فأشار يلشيها . وسألته عن ابن وهب ، فقال : في عليين .

                                                                                      قال الطحاوي : بلغني عن ابن القاسم قال : ما أعلم في فلان عيبا إلا دخوله إلى الحكام ، ألا اشتغل بنفسه ؟ !

                                                                                      قال سعيد بن الحداد : سمعت سحنون يقول : كنت إذا سألت ابن القاسم عن المسائل ، يقول لي : يا سحنون ، أنت فارغ ، إنى لأحس في رأسي دويا كدوي الرحى - يعني من قيام الليل - قال : وكان قلما يعرض لنا إلا وهو يقول : اتقوا الله ، فإن قليل هذا الأمر مع تقوى الله كثير ، وكثيره مع غير تقوى الله قليل .

                                                                                      وعن سحنون قال : لما حججنا كنت أزامل ابن وهب ، وكان أشهب يزامله يتيمه ، وكان ابن القاسم يزامله ابنه موسى ، فكنت إذا [ ص: 123 ] نزلت ، ذهبت إلى ابن القاسم أسائله من الكتب ، وأقرأ عليه إلى قرب الرحيل ، فقال لي ابن وهب وأشهب : لو كلمت صاحبك يفطر عندنا ، فكلمته ، فقال : إنه ليثقل علي ذلك ، قلت : فبم يعلم القوم مكاني منك ؟ فقال : إذا عزمت على ذلك ، فأنا أفعل . فأتيت فأعلمتهما ، فلما كان وقت التعريس قام معي ، فأصبت أشهب وقد فرش أنطاعه ، وأتى من الأطعمة بأمر عظيم ، وصنع ابن وهب دون ذلك ، فلما أتى عبد الرحمن ، سلم ، وقعد ، ثم أدار عينه في الطعام ، فإذا سكرجة فيها دقة فأخذها بيده ، فحرك الأبزار حتى صارت ناحية ، ولعق من الملح ثلاث لعقات ، وهو يعلم أن أصل ملح مصر طيب ، ثم قام ، وقال : بارك الله لكم ، واستحييت أن أقوم ، قال : فتكلم أشهب ، وعظم عليه ما فعل ، قال له ابن وهب : دعه ، دعه ، وكنا نمشي بالنهار ، ونلقي المسائل ، فإذا كان في الليل ، قام كل واحد إلى حزبه من الصلاة . فيقول ابن وهب لأصحابه : ما ترون إلى هذا المغربي ، يلقي المسائل بالنهار ، وهو لا يدرس بالليل ؟ فيقول له ابن القاسم : هو نور يجعله الله في القلوب .

                                                                                      قال : ونزلنا بمسجد ببعض مدائن الحجاز ، فنمنا ، فانتبه ابن القاسم مذعورا ، فقال لي : يا أبا سعيد ، رأيت الساعة كأن رجلا دخل علينا من باب هذا المسجد ، ومعه طبق مغطى وفيه رأس خنزير . أسأل الله خيرها . فما لبثنا حتى أقبل رجل معه طبق مغطى بمنديل ، وفيه رطب من تمر تلك القرية ، فجعله بين يدي ابن القاسم ، وقال : كل ، [ ص: 124 ]

                                                                                      قال : ما إلى ذلك من سبيل . قال : فأعطه أصحابك . قال : أنا لا آكله ، أعطيه غيري ! فانصرف الرجل ، فقال لي ابن القاسم : هذا تأويل الرؤيا . وكان يقال : إن تلك القرية أكثرها وقف غصبت .

                                                                                      قال الحارث بن مسكين : كان ابن القاسم في الورع والزهد شيئا عجيبا .

                                                                                      أخبرنا يوسف بن أبي نصر ، وعبد الله بن قوام وجماعة قالوا : أخبرنا الحسين بن المبارك ، أخبرنا عبد الأول ، أخبرنا أبو الحسن الداوودي ، أخبرنا أبو محمد بن حمويه ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا أبو عبد الله البخاري ، حدثنا سعيد بن تليد ، حدثنا ابن القاسم ، عن بكر بن مضر ، عن عمرو بن الحارث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لو لبثت في السجن مثل ما لبث يوسف ، ثم جاءني الداعي ، لأجبته الحديث .

                                                                                      أخبرنا الحسن بن علي ، أخبرنا جعفر بن منير ، أخبرنا أبو محمد العثماني ، أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن شبل ، أخبرنا عبد الحق بن محمد بن هارون الفقيه ، حدثنا الحسين بن عبد الله الأجدابي ، حدثنا هبة الله بن أبي عقبة التميمي ، حدثنا جبلة بن حمود الصدفي ، حدثنا [ ص: 125 ] سحنون ، أخبرني عبد الرحمن بن القاسم ، حدثني مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : قال الله : إذا أحب عبدي لقائي ، أحببت لقاءه ، وإذا كره لقائي ، كرهت لقاءه .

                                                                                      أخبرنا أحمد بن هبة الله ، أخبرنا محمد بن غسان ، أخبرنا علي بن الحسن الحافظ ، أخبرنا أبو القاسم النسيب ، أخبرنا أبو القاسم السميساطي ، أخبرنا عبد الوهاب بن الحسن ، أخبرنا ابن جوصا ، حدثنا عيسى بن مثرود ، حدثنا عبد الرحمن بن القاسم ، حدثني مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة ، يوتر منها بواحدة ، ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن ، فيصلي ركعتين خفيفتين .

                                                                                      رواه مسلم وحده ، عن يحيى بن يحيى التميمي ، عن مالك .

                                                                                      قال أبو سعيد بن يونس : ولد ابن القاسم سنة اثنتين وثلاثين ومائة وتوفي في صفر سنة إحدى وتسعين ومائة - رحمه الله - عاش تسعا وخمسين سنة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية