الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( لا بدين أو عطية )

                                                                                                                            ش : يعني أن من لا يمكنه الوصول إلى مكة إلا بأن يستدين مالا في ذمته ولا جهة وفاء له فإن الحج لا يجب عليه لعدم استطاعته ، وهذا متفق عليه وأما من له جهة وفاء فهو مستطيع إذا كان في تلك الجهة ما يمكنه به [ ص: 506 ] الوصول إلى مكة وقدر على بيع ذلك ، أما إذا كان ماله في بلد بعيد لا يمكنه الوصول إليه فلا يلزمه أن يستدين الآن كما يفهم من كلام صاحب المدخل وقوله : أو عطية ، يعني به أنه إذا أعطى له مال يمكنه به الوصول إلى مكة على جهة الصدقة أو الهبة فلا يقبله ويحج به ; لأن الحج ساقط ، وظاهر كلام صاحب الطراز أنه متفق عليه أيضا لما في ذلك من تحمل المنة ، وظاهر كلام البساطي أن في ذلك خلافا ولم أقف عليه إلا في مسألة الولد كما ستقف عليه إن شاء الله .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) قال صاحب الطراز : إذا لم يكن له مال فبذل له ذلك ليحج لم يلزمه قبوله عند الجميع إلا أن يكون الباذل ولده لما فيه من تحمل مشقة المنة ، وإن بذل له فرضا لم يلزمه أيضا ; لأنه يرجع عليه دينا ويملك ذمته به وإن الدين أيضا يمنع وجوب الحج انتهى .

                                                                                                                            وقال القرطبي في تفسير سورة آل عمران وأصله لابن العربي ونقله عنه الزهري في شرح القواعد الإسلامية : فلو وهب رجل لأبيه مالا فقد قال الشافعي : يلزمه القبول ; لأن الرجل من كسبه ولا منة عليه في ذلك وقال مالك وأبو حنيفة : لا يلزمه قبوله ; لأن فيه سقوط حرمة الأبوة إذ قد يقال : قد جزاه وقد وفاه والله أعلم انتهى .

                                                                                                                            وما قاله صاحب الطراز أظهر وقد قال ابن رشد في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة في شرح قول مالك : لا يكره السلطان المرء على أن يحج أباه ولا على إنكاحه هذا على القول بأن الحج على التراخي ويأتي على القول بأن الحج على الفور أنه يلزمه ذلك كما يلزمه أن يشتري له ماء لغسله ووضوئه إذ لا يسعه أن يؤخر ذلك من أمر دينه انتهى .

                                                                                                                            وقد علمت أن القول الراجح أن الحج واجب على الفور فيلزم حينئذ الولد أن يحج أباه ويجب على الوالد القبول وظاهر إطلاق كلام المصنف موافق لما قاله ابن العربي والقرطبي وقال البساطي : أما الدين فإذا لم يكن له جهة وفاء ولا يرجو ما يوفي به فلا شك ، وأما غير ذلك ففيه خلاف ، ولو كان الدين لغير الحج وقدر على الوفاء ، فقال مالك فيه : لا بأس أن يحج ، وأما العطية فلأن فيها تحمل منة وانظر إذا كان ممن له عادة بالإعطاء انتهى .

                                                                                                                            ( ( قلت ) ) إن أراد بقوله : ممن له عادة بالإعطاء ، مسألة الولد فقد علم حكمه وإن أراد غيره فنصوص المذهب صريحة في أنه لا يجب عليه القبول والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثاني ) إذا قلنا : لا يجب عليه الحج ، الدين إذا لم يكن له جهة وفاء فهل يباح له ذلك ؟ قال في الشامل : لا باستعطاء ودين لا وفاء له عنده وروى إباحته ، انتهى .

                                                                                                                            فظاهره أن القول الراجح عدم إباحته وذلك يحتمل الكراهة والتحريم ، وكذلك كلام المصنف في مناسكه يقتضي التحريم والكراهة فإنه قال : وبعض الناس يسمع أن الحج واجب فيذهب ويتسلف ولا جهة وفاء له وهو فعل قبيح ; لأنه يشغل ذمته وكانت بريئة انتهى .

                                                                                                                            والقبيح هو الفعل المنهي عنه شرعا سواء كان حراما أو مكروها وقوله في الشامل وروى إباحته يقتضي أن فيه قولا بالإباحة ، ولم أقف عليه والمنع ظاهر إذا لم يعلم من يقترض منه بأنه لا جهة وفاء له ، وأما إذا أعلمه بذلك ورضي بإقراضه فالظاهر عدم المنع ولكنه خلاف الأولى ; لأنه يشغل ذمته وكانت بريئة والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية